فلم حياة الماعز، قراءة ثقافية

فتحية دبش


فتحية دبش/كاتبة تونسية

لن أستعرض موضوع الفلم الذي شاهدته بإيعاز من بعض الأصدقاء، ولن أتحدث عن الجانب الفني وإنما عن الجانب الثقافي المتعلق بتمثلات الأنا والآخر.

تمثلات الأنا:
طبعا هنا أقصد كيف قدم الفلم رؤية الهندي لنفسه ولبلده. هي صورة منمقة جدا عن الحب والزواج والحياة. عززتها مشاهد الخضرة والماء والترف المادي الذي قد يضع الغاية من الهجرة إلى بلد خليجي كالسعودية مجرد فرصة إضافية لمزيد من الترف المادي وبالتالي نبتعد عن الهجرة القسرية التي تودي بحياة الآلاف برا وبحرا كل عام. ثم وعلى مدى الفلم تظهر صورة الهند ومواطنيها بعيدة كل البعد عن حي كالكوتا الذي عرفنا من خلاله الهند ومعاناة طبقاته المسحوقة حتى أنها تغيب تماما في هذا الفلم. ليس هناك مفاجأة طبعا في أن تكون تمثلات الذات خالية من غبش الخصاصة والنقص والغرابة باعتبارها مركزا، بل يحذو الفلم حذو الغربي/ الأبيض الاوروبي الذي يقدم لنفسه دائما صورة مثالية إنسانية مثقفة على عكس ما يقابله من " آخر".
تمثلات صورة العربي:
كلما تقدمنا في الفلم تبدأ شخصية الهندي في التراجع لتقديم تمثلات العربي أو بصفة أخص السعودي، بدويا كان أو مدنيا ويظهر ذلك الكائن الذي لم يتطبع بغير طباع الطبيعة الجرداء القاسية، حتى أنه يسرف في احتقار كل شيء وكل كائن غيره ولا يرى غيره بشرا. يحتكر لنفسه مظاهر الثراء ويتعامل على أساسه مع الآخرين فليسوا هم في نظره إلا  مشاريع حيونة واستعباد. بل إنه يرفض أن يعتبر الآخر بشرا مثله أو أدنى منه ويراه أقل قيمة وشأنا حتى من الأنعام التي يرعاها. يصبح الآخر/ المهاجر بلا هوية حيث يمزق الكفيل جواز سفر نبيل ويكلمه بلغة عربية لا تعني شيئا للهندي. كل ذلك يصبح مقصودا لتفتيت كل تمثل للذات عند المهاجر وصولا إلى مرحلة يتم فيها الإلغاء التام حيث يموت المهاجر الذي صار عبدا بل أقل من حيوان وتكون جثته غنيمة الكواسر فيذهب كأنما لم يكن بلا قبر ولا اسم ولا وطن. 
حتى السعودي المتمدن الذي استبدل ناقته بسيارة فارهة والصحراء بالمدينة ويتحلى بشيء من الشهامة فيلتقط نجيب من الطريق ولكنه لا يتمم الاعتناء به بل يضعه على قارعة واقع آخر لا يختلف كثيرا عن واقعه مع الدواب في الصحراء. 
هكذا يقدم الفلم تمثلا للإنسان السعودي تمثلا لا يميزه عن الوحوش شيء غير طبيعته الجسدية والكلام.

تمثلات الافريقي: يختار الفلم شخصية ابراهيم لتمثيل الافريقي فهو الأسود، المسلم، الإنسان، المنقذ وغيرها من التمثلات التي تقع على نقيض تمثل الفلم للشخصية الهندية والعربية في نفس الوقت. فإذا كان الهندي لا يهمه غير خلاصه الشخصي، بداية من قرار الهجرة وصولا إلى الجري نحو الماء قبل ابراهيم بل دفعه له دون مراعاة كل ما قام به الافريقي من أفعال كانت هي سر بقاء نجيب حيا إلى آخر لحظة. بل إن ابراهيم لم تكن غايته الهرب من قسوة الاستعباد بل تهريب كل من وقع تحت سلطة العربي المتسلط المتوحش بدليل أنه مطلوب من العدالة السعودية. 
لكن التمثل وإن كان ايجابيا كما يبدو إلا أنه لا يخلو من نمطية حيث أن ابراهيم على عكس نجيب وأخيه كما صوره الفلم كان يتمتع بلياقة بدنية خارقة، كأنما هو من غير البشر رغم أنه يتقاسم ونبيل ذات الظروف. وهذا التمثل يحافظ على الصورة النمطية للافريقي الأسود الخارق جسديا القاصر ذهنيا كما في الأدبيات المهتمة بالشخصية الافريقية المستعدة لإنقاذ الآخر على حساب نفسها ليس من قبيل الايثار بل من قبيل البلادة الذهنية.

لئن نجح الفلم في تصوير واقع مر يتعرض له المهاجرون في بعض دول الخليج التي تعتمد على قانون الكفالة والتي فضحت مواقع التواصل اليوم ممارساتها الوحشية وتحويلها البشر إلى عبيد إلا أن الرؤية العامة تبقى رهينة النمذجة والنمطية ولا تقدم مؤشر تحول ثقافي في تمثلات الأنا والآخر.
 

 

مقالات ذات صلة

ارسال التعليق