السيستاني .. مرجعية وطن

د. مجاهد أبو الهيل

وضع الوطن والمواطن العراقي يده على قلبه بعدما وضع الكيان الصهيوني صورة مرجعهم الأعلى الامام علي السيستاني في قائمة الأهداف مع نخبة من رموز العالم الاسلامي الذين يتصدون لهمجية وجرائم هذا الكيان الذي استهتر بكل القيم الإنسانية والأعراف الدولية، فالمرجع السيستاني خط أحمر لن ولم نسمح لاي طرف أن يتخطاه مهما كلفنا ذلك من أثمان،

 

د. مجاهد أبو الهيل

وضع الوطن والمواطن العراقي يده على قلبه بعدما وضع الكيان الصهيوني صورة مرجعهم الأعلى الامام علي السيستاني في قائمة الأهداف مع نخبة من رموز العالم الاسلامي الذين يتصدون لهمجية وجرائم هذا الكيان الذي استهتر بكل القيم الإنسانية والأعراف الدولية، فالمرجع السيستاني خط أحمر لن ولم نسمح لاي طرف أن يتخطاه مهما كلفنا ذلك من أثمان، لانه وببساطة خيمتنا الاخيرة التي نلوذ بها جميعا ويلوذ معنا العالم المتحلي بإنسانيّته وأخلاقياته وثقافته ودينه، السيستاني الذي يعيش بسلام في منزله المستأجر لغاية الان في أحد أزقة النجف الأشرف في المدينة القديمة الذي استقبل فيه الحبر الاعظم البابا فرنسيس قبل أعوام ليعود الاخير محملاً بالإعجاب والتقدير والإشادة بما غمره مرجعنا الاعلى من نور وروحانية لم يشهدهما البابا في كل بقاع الارض.

بهذه المناسبة تذكرت يوم كنت موظفا في شبكة الاعلام العراقي وامتلك صلاحية انتاج الخطاب الاعلامي والوطني، أطلقت هاشتاك( #السيستاني_مرجعية_وطن ) ليأخذ صداه ومداه في شاشات الشبكة في كل موقف يتخذه مرجعنا الأعلى لحماية الوطن، وكنت قاصداً جداً لترويج هذا الأمر وغيره، فقبل بضعة اعوام وبعد سقوط الديكتاتور تحديداً كتبت ُمقالاً عن "نوبل آية الله" وأعني المرجع الأعلى السيد علي السيستاني الذي لم يكن آنذاك قد أعلن بعد عن هوية مرجعيته وشكلها ضمن انساق المؤسسة الدينية السائدة، كما لم تك مخيلتي قد اكتنزت بعد بماهية تلك المرجعية، عدا أن الرجل يمثل امتداداً حقيقيا للمرجعية التقليدية للحوزة العلمية في النجف وغيرها من مدن التعلم الديني، ولست أتذكر ما الذي دعاني للكتابة تحت هذا العنوان لكني متأكد تماماً ان موقفاً ما كان سبباً للكتابة عن شخصية المرجع الأعلى.
وبعد أن أُثقلت ذاكرتي بالمواقف المهمة لهذا المرجع الذي يلتف بعباءة سوداء وعمامة هي الاخرى سوداء ويجلس على ارض النجف بعيداً عن شاشات التلفاز وأضواء الكاميرات لإنقاذ بلد آيل للسقوط بكل ما للكلمة من دلالات، فان ذلك يدعوني وغيري إلى أن نتأمل بمراجعة موضوعية لتلك المواقف التي ميزت السيستاني عن غيره من طبقة القرار السياسي والديني.
لا مساحة للتعايش السلمي في العراق لولا مواقف السيستاني - هكذا يحلو لي ان اقول - فالمتابع لحركته ومواقفه منذ سقوط الديكتاتور ولغاية الآن لا يمكن له ان يغض الطرف عن عبور هذا الرجل لكل الحواجز الطائفية والقومية، فالمرجع كرّس مفهوم المواطنة العراقية اكثر من بعض الساسة العراقيين انفسهم، اذ عبرّت مواقفه المتكررة بوضوح عن ذلك، فالمتابع لتوجيهاته لممثليه في خطب الجمعة بكربلاء لا يستشعر هذه المواقف فحسب وإنما يتلمسها بكل حواسه، خصوصا ما يتعلق منها برفع صوره من الساحات العامة التي امتلأت بصور وعبارات لا حصر لها، كما تتجلى الدعوة الى المواطنة من قبل المرجع السيستاني في توجيهاته برفع راية الوطن واستبدال الرايات المرفرفة في جبهات القتال بالعلم العراقي الذي خبت الوانه هناك وسط غبار المعركة وزحمة الرايات الفرعية المتنوعة بتنوع الدوافع لارتفاعها.

إن الوطن مختبئ تحت عباءة السيستاني وحده، تلك العباءة التي استظل بها العراقيون من جور حكامهم في كل الشدائد والمحن التي حلت بهم وبوطنهم الممزق .
ان هذا الموقف وغيره من قبل المرجع يؤكد بجلاء عن استشعاره خطورة المستقبل على وحدة الصف العراقي كما يريد ان يعيدنا الى جوهر الفتوى التاريخية للدفاع عن الوطن التي اطلقها بعد سقوط الموصل بيد خفافيش الظلام والخوف من سريان حمى السقوط الى مدن اخرى، فهذه الفتوى الذكية لم تشابه فتاوى سابقة او احكاماً بالجهاد أطلقها فقهاء آخرون وإنما جاءت بطريقة مختلفة تماما لأنها فتوى وطن تعبر حدود المقلدين والطائفة والمكون، بدليل انها خلت من مخاطب مصنف على تلك الاسس كما انها خلت من مفردة جهاد التي استبدلها المرجع بعبارة الدفاع وبقصدية مفرطة لما لهذه الكلمة من دلالات وطنية ومجتمعية كذلك اتبعها المرجع بكفائية الدفاع لحفظ مؤسسات الدولة من الخلو وضمان أداء الادوار.
إن هذه المواقف لم تأتِ ضمن سياق منفصل من مسيرة المرجع السيستاني وإنما جاءت مكملة لموقفه الحكيم بعد تفجير اكبر قبة ذهبية يرقد تحتها اثنان من أئمة المسلمين الشيعة ورموزهم في محاولة خبيثة من إرادة الظلام لجر المكونات العراقية الى حرب إبادة طائفية، لكن المرجع الوطني قد تجاوز مشاعره الطائفية ولم يتخذ موقفه تحت ضغط اللحظة المؤلمة وإنما غادر تلك اللحظة إلى رحاب الوطن المقدس والحفاظ عن الدم العام الذي كاد ان ينهمر ليغرق الحياة بالموت والخراب.
كما لا يخرج موقفه من الحركة الاحتجاجية في مدن الوطن من هذا السياق بعد ان سجل رقماً قياسياً في الدفاع عن حقوق المحتجين وسلامتهم وإدانة كل أشكال الترهيب التي تعرضوا لها من قبل الأطراف التي استهدفتهم وعبثت بسلامتهم.
إن كل ذلك وغيره يجعل مرجعية مثل هذه تحظى بإشادات دولية وأممية وتسحب بابا الفاتيكان من روما إلى أزقة النجف الضيقة ليلتقي بالمرجع الإسلامي الأمام السيد علي السيستاني.

المهم علينا ان نتعلم المواطنة من المرجع السيستاني فهو يؤصل ويؤسس لمفاهيم اقرب الى الديمقراطية منها الى التعاليم الدينية والفتاوى الجاهزة لأنه يسعى لبناء الوطن وترسيخ مؤسساته الدستورية ووضع اللبنات الاساسية للمدنية والتعايش السلمي بين نسيج المجتمع العراقي الذي بدأ يتشكل بطريقة خاطئة نتيجة الارادات السيئة لمحاور الشر التي تعتاش وتنسج بناءاتها في ظل ازماتنا، فالسيستاني مرجعية وطن لا مرجع طائفة.

ما حصل هذا اليوم من قذارة الموقف وهمجيته من قبل دولة الشر وكيانها الغاصب، يبين وبوضوح ان العراقيين يعشقون مرجعهم الاعلى ويحفظون له مواقفه النبيلة تجاههم التي سجلتها ذاكرتهم بعناية لترتفع اكفهم بشكل جماعي للدعاء له بالسلامة والبقاء ليواصل رسم خارطة الوطن بقلمه وقلبه وعمامته الطاهرة .


 

مقالات ذات صلة

ارسال التعليق