موسم الجنون.. الزحف نحو الإمام الحسين "عليه السلام"

أنعام خير الله

بالتزامن مع ظاهرة المشاية والزيارة الاربعينية نقدم هذه قراءة لكتاب عن دراسة بحثية وقراءة سوسيولوجية يدرس ظاهرة المشاية أو السير على الأقدام كل عام في شهري محرم وصفر، وان دراسته كانت موضوعية مجردة من الشعور المذهبي، ومن وجهة نظري هذا الكتاب ينير بصيرة القارئ ويجيب عن تساؤلاته..


 أنعام خير الله / كاتبة عراقية 

 


بالتزامن مع ظاهرة المشاية والزيارة الاربعينية نقدم هذه قراءة  لكتاب عن دراسة بحثية وقراءة سوسيولوجية يدرس ظاهرة المشاية أو السير على الأقدام كل عام في شهري محرم وصفر، وان دراسته كانت موضوعية مجردة من الشعور المذهبي، ومن وجهة نظري هذا الكتاب ينير بصيرة القارئ ويجيب عن تساؤلاته..
يسلط الضوء على الظاهرة الحسينية بشكل أعمق وأدق ويفك لغز الجنون الحسيني حيث استخدم الكاتب والشاعر "د. مجاهد ابو الهيل" اسلوب البحث والإستبانة للأجابة عن الأسئلة التي تدور حول الظاهرة بأبعادها الدينية والاجتماعية والسياسية، وبالرجوع الى الجذر التاريخي لها على وفق منهج تحليلي وميداني لمعرفة الأسباب التي أدت الى اتساعها بعد 2003... 
كيف ساعد التحول السياسي المجتمع العراقي بعد سقوط النظام سنة 2003 ؟ 
وما القوة الخفية التي تدفع ملايين الناس لتحمل عناء السير من مسافات بعيدة لأداء مناسك وشعائر لشخص استشهد منذ قرون؟
لقد لعب التحول السياسي من زوال الأسباب التي تسببت بتنامي الظاهرة من تهميش واضطهاد والغاء ومنع ممارسة الطقوس والشعائر الحسينية بشكل جماعي، وكان ذلك حتى من الحكومات المتعاقبة على مر العصور، لكن ماحدث بعد 2003 يعد فرصة تعويضية لإثبات الهوية الشيعية واستيفاء الدين وسنوات القمع والحرمان. 
كما أصبح  لها إهتمام  ودعم سياسي واعلامي من خلال النقل الحي لمراسم الشعائر والطقوس الحسينية، حيث يتوافد ملايين الزوار على مدينة كربلاء، ومن المدن الأخرى  ومن خارج العراق لأداء مراسيم الزيارة الأربعينية سيراً على الأقدام وبشكل جماعي وأصبحت ظاهرة عالمية تأخذ كل سنة حيزاً أكبر وتتكاثر أعداد الزوار من كل القوميات، فلم تعد تقتصر على الشيعة ومحبي آل البيت عليهم السلام،  فاصبحت تعُد أكبر ظاهرة جمعية. 
فيتجمعون الناس بمختلف أديانهم ومذاهبهم لكونهم يشعرون بأعماق قلوبهم بإندفاع قوي نحو الإمام الحسين'عليه السلام' ويظهرون حبهم له، حاملين بجعبتهم قوله المحفوظ  "لم أخرج أشراً ولا بطراً وانما خرجت لطلب الاصلاح "
ومع ذلك قتل مظلوماً عطشانَ هو وأهل بيته وأصحابه. 
في الكتاب  أشار الباحث 'أبو الهيل' في بحثه إلى ان تقديس العظماء وتمجيد الأبطال بعد موتهم، نزعة فطرية وسنة عقلائية سائدة في أنحاء العالم وبين جميع الأمم والمجتمعات والحضارات الإنسانية منذ أقدم العصور، أي ليس بالشيء الحديث.
وزيارة عاشوراء لتخليد ذكرى إستشهاد  الإمام الحسين ولتجديد الحزن والأسى وماتعرض له من ظلم حينها ولم يجد مغيثاً ولاناصراً له، فهنا تبدو بمثابة محاولة صغيرة لنصره ولو بعد حين..
الإمام الحسين: قائد مغوار ومحارب مقدام، قاوم الشر من أجل إرساء أسس الدين الاسلامي، وقد دفع حياته في سبيل ذلك ومات شهيداً، ولكنه لم يمت في القلوب المجنونة بحبه وعظمة موقفه الاصلاحي.
عنوان البحث كان اختياراً ذكياً وصائباً حيث وصف الباحث " الموسم  بالجنون"، لان الناس يهبون من كل حدب وصوب صغيراً وكبيراً شيخاً ورضيعاً، لا يهابون برداً ولا حراً ويتحملون مشاق الطريق لزيارة الإمام الحسين ابن بنت نبيهم، لهدف روحي مقدس.
 تأخذ الظاهرة كل سنة حيزاً أكبر من التي قبلها، فمن الطبيعي تكون ظاهرة عالمية.
كما تناول الباحث مجموعة  من الروايات عن السير على الأقدام  وتاريخية ونظرية السلوك الجمعي وكيف تنتقل من جيل الى جيل، في مختلف الطوائف والأديان، وان الزيارة ليست اداءً روحياً جماعياً معزولاً مثل العيد والصلاة، انما هي مرتبطة بزمان ومكان يقصده الزوار لإحياء ذكرى دينية معينة، ومما لفت انتباهي وشدني الى القراءة لأستحداث المعلومة، هو وجود ظاهرة في الديانة المسيحية التي تتشابه ببعض النقاط مع ظاهرة الإمام الحسين الكبيرة، وكان هناك عليها دراسة ايضا، وهي ظاهرة (القديس بيسو) وهو شخصية أسطورية تاريخية ومقدسة عند الطائفة الكاثوليكية، وقارن بين الظاهرتين مقارنة دلالية، واسلوب الزيارة التي كان لها وقت محدد بالسنة وايضا سيراً على الأقدام لساعات طويلة رفقة نسائهم وأطفالهم، وفي رواية يذكر ان القديس بيسو نذر نفسه لنشر الدين المسيحي وتعاليمه. 
ومن هنا نستنتج ان من أهم المعتقدات هي الإيمان بالمعجزات المرتبطة بالشخصيات المقدسة على قضاء حوائجهم، طلب البركة، الشفاء والى آخره... وهذا هو السلوك الجمعي عبر الزمن وعبر الأديان
وانا اقرأ بهذه الدراسة التي تعد الأولى من نوعها، اكتشفت معلومات ذات قيمة مهمة وجديدة، لذلك قررت ان ازودكم بها من خلال هذا المقال، وهي تعد إضاءة تدفعكم  لقراءة البحث واكتشاف ماتوصل اليه الباحث من استنتاجات الدراسة والتوصيات المقترحة حول المشاية في مراسم  الزيارة الاربعينية، ولا يسعني ان اتطرق الى الكثير ولكنني أكتفي بذكر أهمها وأكثر تكراراً ومبالغة، الا وهي  "الكرم العراقي المعروف" والاهتمام بالزوار وخدمة المواكب لهم.
افسح لكم المجال لإكتشاف المزيد بقراءتكم لهذه الدراسة المهمة التي استغرقت أكثر من سنتين من عمر "الباحث ابو الهيل" الذي بذل جهداً كبيراً بجوانب البحث. 
أخيراً لم تكن قضية الحسين موضوعاً طائفياً او مذهبياً، انما هي قضية إنسانية، تهيّج العواطف البشرية النبيلة التي تميز بين الحق والباطن، وتعرف كيف تميز اللون الأبيض من اللون الأسود ولاتخلط الألوان، ولا تغايير الصور الثابتة، ولكن تبقى الثابت الوحيد هي القضية الحسينية.
 

 

مقالات ذات صلة

ارسال التعليق