إسرائيل: السلام أم السرقة تحت راية الزيف؟"

في عالم السياسة، حيث تلتقي الحقيقة بالأكاذيب في ساحة واحدة، هناك كيان يقدّم نفسه للعالم على أنه الحامل الوحيد لقيم الحرية والديمقراطية في المنطقة. لكن عندما تضع السماعات جانبًا وتخوض في العمق، ستجد أن الصورة التي رسمتها إسرائيل لنفسها هي صورة مشوهة، تُخفي وراءها حقائق أفظع من أي خيال.

 


حسين سالم /شاعر عراقي


في عالم السياسة، حيث تلتقي الحقيقة بالأكاذيب في ساحة واحدة، هناك كيان يقدّم نفسه للعالم على أنه الحامل الوحيد لقيم الحرية والديمقراطية في المنطقة. لكن عندما تضع السماعات جانبًا وتخوض في العمق، ستجد أن الصورة التي رسمتها إسرائيل لنفسها هي صورة مشوهة، تُخفي وراءها حقائق أفظع من أي خيال.
إسرائيل ليست دولة تدافع عن نفسها فقط، بل هي آلة منظمة لسرقة الأرض تحت ستار المعاهدات، لقتل الأمل تحت غطاء السلام. فلو تمعّنت في أسلوب تعاملها مع الفلسطينيين، لوجدت أن كل خطوة تخطوها إسرائيل ليست من أجل الأمن، بل من أجل التوسع. ولنفهم هذا المنطق الإسرائيلي، علينا أن نتخيل مشهداً معبّراً للغاية:
يأتي لك شخص ليأخذ بيتك منك، يتجول في كل زاوية، يقيس المسافة بين جدران غرفتك، يعبث بكل شيء، وعندما يستعد لمغادرتك، يقول لك: "تفضل، خذ المطبخ، لكن دعنا نوقع معاهدة سلام!". هذا ليس خيالًا، بل هو المنطق الإسرائيلي. يكذبون عليك بوعود عن السلام، بينما هم يمسكون بكل شيء، حتى حقوقك في الوجود.
التاريخ يقول لنا أن إسرائيل، ومنذ نشأتها، قامت على مبدأ "الضحية" التي تدافع عن نفسها، ولكن هذه الأكذوبة لم تكن سوى أداة لتوسيع رقعتها على حساب جيرانها، بما فيهم الفلسطينيون. الخداع بدأ من اللحظة التي طُرحت فيها فكرة إنشاء دولة إسرائيل على أرض فلسطين، ولم يتوقف حتى يومنا هذا.
باسم السلام، قامت إسرائيل بمسح الأراضي، وأغلقت الحدود، وطردت الناس من منازلهم. وباسم السلام، تواصل بناء المستوطنات في قلب الأراضي المحتلة، بينما تتحدث عن حقوق الإنسان والقانون الدولي. في كل مرة يجلس فيها قادة إسرائيل للتفاوض، يخرج العالم بفكرة واحدة: "إسرائيل تريد السلام". لكن الحقيقة هي أن كل معاهدة، وكل اتفاق هي في النهاية خديعة أكبر. "تفضل، خذ المطبخ، ودعنا نوقع معاهدة سلام!" هو شعارهم، مموّه بحرفية وبعناية.
ما الذي يدفعهم لمواصلة هذا الفعل؟ هو ببساطة: الاستيلاء. الاستيلاء على الأرض، على الإنسان، على التاريخ، وعلى الأمل. وهم يحاولون جاهدين تزيين هذه السرقات بمساحيق حديثة: معاهدات سلام، اتفاقيات سلام، تحالفات دولية. ولكن في العمق، هذا ليس سوى استبدال ظلام مستمر بأوهام مصطنعة.
النكبة التي يعيشها الفلسطينيون ليست حادثة تاريخية؛ إنها حدث مستمر، يومي، يتجسد في أكثر أشكالها بشاعة عندما يتم طرد الناس من أراضيهم تحت سيف الاحتلال، بينما يتم تقديم السلام على أنه الحل. السلام في نظرهم هو تحويل كل قطعة من الأرض إلى مستوطنة جديدة، ثم يطرحون الفكرة نفسها: "هذه الأرض لنا، لكنكم تستطيعون أن تظلوا في المطبخ".
ولن يكون هناك سلام حقيقي ما دام العالم يُسكت عن هذه الحقائق. فكلما تمت "المصالحة"، وكلما وقّع الفلسطينيون على ما يُسمى "اتفاقيات السلام"، تتسع رقعة السرقة تحت حجة الابتسامات والنوايا الطيبة.
إذا كان هناك شيء واحد نعلمه عن إسرائيل، فهو أن السلام بالنسبة لهم ليس إلا أداة للتوسع والسيطرة. وعلى مر السنين، أظهرت كل أفعالهم أن لا مكان للسلام إلا في عالمهم الذي يختارونه، لا في عالمنا الذي نعيش فيه.
الحقائق التي لا تُحكى هي التي تُدفن تحت مئات المعاهدات، والابتسامات الدبلوماسية، والوعود المزيفة. لكن الشعب الفلسطيني لن يسكت أبدًا عن سرقة أرضه، ولن يوقف أحد صوته في السعي لتحقيق الحق في العودة، مهما حاولت إسرائيل أن تروج لنفسها كصانع للسلام.
وفي النهاية، لن تكون هذه الكلمات سوى دعوة لإعادة التفكير في معاني السلام. السلام الذي يقترحونه ليس سلامًا، بل مكيدة. بينما يستمرون في أخذ المزيد، يبتسمون لك ويقولون: "تفضل، خذ المطبخ، ودعنا نوقع معاهدة سلام". لكن متى كان السلام يعني الاستسلام؟
 

مقالات ذات صلة

ارسال التعليق