حسن العاني ونخيل عراقي وأنا

د. مجاهد أبوالهيل

توطدت علاقتي بالراحل حسن العاني كصديق حميم بعد خروجي من رئاسة شبكة الإعلام العراقي بعام تقريبا، اذ كنت ُ أدمنت قراءة عموده الصحفي لأعوام سبقت لقائنا الاول في منظمة نخيل عراقي يوم طلب زيارتي عن طريق الصديق الفنان زياد جسام، فرحت جداً بقدومه، رحبت بهما وبعد سلام دافيء افصح عن سبب الزيارة قائلاً بصوته الهادئ، :-

 

د. مجاهد أبوالهيل / كاتب وشاعر عراقي

توطدت علاقتي  بالراحل حسن العاني كصديق حميم بعد خروجي من رئاسة شبكة الإعلام العراقي بعام تقريبا، اذ كنت ُ أدمنت قراءة عموده الصحفي لأعوام سبقت لقائنا الاول في منظمة نخيل عراقي يوم طلب زيارتي عن طريق الصديق الفنان زياد جسام، فرحت جداً بقدومه، رحبت بهما وبعد سلام دافيء افصح عن سبب الزيارة قائلاً بصوته الهادئ، :-
- جئت لتقديم الشكر لجنابك
- لماذا أستاذي الكبير ؟ 
- لاني احتفظ لك بموقف نبيل يوم كنت رئيساً لشبكة الإعلام العراقي، وأمرت باستثنائي من تخفيض اجور العمود الصحفي احتراماً لاسمي ومسيرتي الصحفية.
يا له من رجل خلوق، همستُ لذاتي، مستعيداً شريط ذاكرتي يوم كنت أوقع قراراً اضطرني لتخفيض اجور الكتاب ومعدي البرامج بسبب الضغط المالي الذي عانت منه شبكة الاعلام نتيجة عدم اقرار الموازنة، لكني وبدافع الاحترام والتقدير والإعجاب بقامة كاتب لفت انتباهي باسلوبه الساحر في كتابة العمود الصحفي، امرتُ باستثنائه من القرار ونسيت ما فعلت لغاية زيارته لي .
تكررت زياراته لي ولنخيل لحد ان ادمنت محبته واصبحنا نتهاتف كل فترة كصديقين حميمين، كان اخر اتصال بيننا قبل اسابيع وقد وعد بزيارتي قريباً، من أهم ما تعلمته منه هو التواضع والخجل والموضوعية في الطرح والاناقة المسرفة والتمسك بالصبا والحب.
سلمني روايته المثيرة "عيادة الحاج مهاوي" لطباعتها بسلسلة نخيل عراقي للابداع بعد ان طلب مني قراءتها قبل ان أجيز طباعتها، قلت له لا يحق لاحد ان يفحص ما تكتب، انت معلمنا واستاذنا. 
وقد تعمدت ان لا اتصفحها الا بعد طباعتها، وفعلا شرعت بقراءتها بعد ان حملت الرقم 10 بسلسلة كتاب نخيل، وحينها اكتشفت سر إصراره على ان اقوم بقرائتها قبل الطبع، اذ حملت الرواية من الجرأة الاجتماعية ما لم تحمله رواية عراقية …
التقينا بعد ان أنهيت قراءتها وهمست في أذنه مازحاً، " استاذي لقد ورطتني بطباعة هذا الكم الهائل من الجرأة"، وضحكنا ضحك طفلين معاً. 
من بين ما عرفته من الجاد الساخر حسن العاني انه وراء جزء كبير من العمود الساخر "عزيزي عزوز" الذي أدمن العراقيون قراءته ابان حقبة مجلة "ألف باء"، اذ اعترف لنا في الامسية التي اقمتها له في نخيل عراقي بعد ان اعتذر لمرات عديدة لكونه يخجل من اللقاءات العامة ويخشى الكاميرات، اعترف انه كان احد كتاب الزاوية الشهيرة "عزيزي عزوز" .
طلبت منه في آخر لقاء جمعنا بنخيل ان يسلمني مذكراته لطباعتها، فضحك كثيراً وقال لي "أرحم شيبتي" غامزاً لي عن مغامراته مع النساء وتمكنه من التعرف على اسرار كثيرة عن الصحافة والسياسة والمجتمع بحكم عمله الصحفي الطويل.

استفقت صباح يوم الاثنين الموافق بلا حسن العاني الذي رحل بصمت دون ان يشعر به أحد من محبيه تاركاً وراءه ما لم يقله لنا من حكايا المليون ليلة وليلة بعد ان أثرى ذاكرتنا بالحكايات ورمم هوّيتنا بعراقيته الحقيقية التي تختلف كثيراً عن عراقيات كاذبة وهويات متعددة، رحل حسن العاني بعد ان لم يضيّع "ضربة جزاء" واحدة في ذاكرتنا الصحفية التي نسجتها أعمدته الساخرة والجادة طوال نصف قرن من الزمن.

 

مقالات ذات صلة

ارسال التعليق