تأثير العصر الرقمي على جودة النصوص الأدبية
عبد الكريم حمزة عباس/باحث عراقي
في عصرنا الرقمي الحالي الذي تهيمن عليه التطورات التقنية المتسارعة والتي تؤدي إلى تغيير طريقة التواصل اللغوي ومنها تغير اسلوب استخدام اللغة العربية في النصوص الأدبية الرقمية، حيث غير العصر الرقمي الحالي الطريقة التي نكتب بها ونتحدث بها وكذلك طريقة التعبير عن المشاعر نتيجة لظهور أشكال جديدة من الرموز التعبيرية الصغيرة الملونة والتي تقوم بنقل المشاعر والتعبيرات بطريقة موجزة بحيث أصبحت هذه الرموز التعبيرية جزءا مهما من المحادثات اللغوية الرقمية اليومية.
لقد ظهرت طريقة الإيجاز في العصر الرقمي وانتشرت الاختصارات وتغيرت قواعد اللغة التقليدية بشكل واضح، وتم استخدام عبارات تتكون من أحرف قليلة تدل على جمل طويلة كما أدت ميزات التصحيح التلقائي والتنبؤ بالنص في الأجهزة الرقمية إلى تغير في طريقة الكتابة وطريقة اختيار الكلمات وبناء الجملة مما أدى إلى تغير في أنماط اللغة المستخدمة و مفرداتها.
أن تطور وسائل التواصل لابد ان يؤدي إلى تطور اللغات والتأثير على معاييره التقليدية ويتجلى هذا التغيير في الطريقة التي يتعامل بها الأشخاص الذين هم من خلفيات ثقافية مختلفة ويتواصلون عبر المنصات الرقمية، ومع صعود التقدم التقني والاتصال غير المسبوق الذي صنعته شبكته الإنترنت برزت اللغات الأجنبية كاللغة الانجليزية والفرنسية كلغات مشتركة للعصر الرقمي، ولهذه الظاهرة أثار على غير الناطقين بها كالناطقين باللغة العربية.
ومما لا شك فيه أن تطور التقنيات الرقمية قد أدى إلى تغير ملحوظ في مشهد اللغة العربية وهذا التغير متعدد الأوجه فهو لا يؤثر فقط على الأساليب والأدوات المستخدمة في اللغة العربية بل يؤثر أيضا على طبيعة تدريس اللغة العربية وتعليمها في المدارس والجامعات، فالطبيعة غير المقيدة وغير المنظمة للغة العربية على منصات التواصل الاجتماعي يمكن أن تؤدي إلى تبني قواعد نحوية غير رصينة أو إلى لغة هجينة تجمع ما بين الفصحى والعامية والكلمات والمصطلحات الدخيلة على سبيل المثال. ومن ميزات العصر الرقمي الحالي إمكانية استخدام الذكاء الاصطناعي في كتابة النصوص الأدبية بكافة اجناسها مما أثر سلبا على جودة لغة النصوص الأدبية بصورة عامة، فالذكاء الاصطناعي يعاني حاليا من ضعف امكانياته في المساهمة في تطور اللغة وذلك لافتقاره إلى القدرة على مجاراة التفاعل البشري الحقيقي مع النصوص الأدبية.
وكما هو معروف أن تطور اللغة عملية معقدة تنطوي على الفروق الثقافية الدقيقة واشارات الاتصال التي قد لا يتمكن الذكاء الاصطناعي الحالي من فهمها بالكامل، ونتيجة لذلك كانت تجربة كتابة النصوص بواسطة هذه التقنية الرقمية محدودة النتائج للغاية وربما ساهمت في تدني المستوى اللغوي للنصوص المكتوبة بواسطتها.
والملاحظ أننا في عالمنا العربي المعاصر نفتقر إلى الدراسات التي تتعلق بموضوع تطور اللغة العربية خلال العصر الرقمي الحالي وفهم العواقب المعرفية والسلوكية لتطور اللغة في البيئة الرقمية الحالية، لذا لابد للجامعات والمنظمات الأكاديمية من الاهتمام بدراسة هذه الظاهرة بشكل جدي والتي ربما تؤدي إلى المزيد من تدني المستوى اللغوي العربي.
ارسال التعليق