"المثقف المتخاذل: صمتٌ يقتل أكثر من الرصاص"

حسين سالم

عزيزي المثقف المتخاذل، أنتَ الذي اخترتَ الوقوف على التل متوهمًا أنك بذلك تفهم شيئًا أعمق من باقي الناس، تظن نفسك حاملًا لراية الوعي والمعرفة. ولكن، عجيبٌ أمرك! كيف يمكن لعقلك أن يفهم العالم بهذا الشكل الممسوخ؟ هل أصبح الحياد والتخاذل فجأةً علاماتٍ على الحكمة؟ متى أصبح الصمت أمام المذابح ذكاءً أو رؤية بعيدة المدى؟

 

 

حسين سالم  /  كاتب عراقي

عزيزي المثقف المتخاذل، أنتَ الذي اخترتَ الوقوف على التل متوهمًا أنك بذلك تفهم شيئًا أعمق من باقي الناس، تظن نفسك حاملًا لراية الوعي والمعرفة. ولكن، عجيبٌ أمرك! كيف يمكن لعقلك أن يفهم العالم بهذا الشكل الممسوخ؟ هل أصبح الحياد والتخاذل فجأةً علاماتٍ على الحكمة؟ متى أصبح الصمت أمام المذابح ذكاءً أو رؤية بعيدة المدى؟

منذُ متى أصبح التضامن مع المظلومين، والوقوف إلى جانب الشعوب المقهورة، لثغةً غير مفهومة؟ ما هو هذا المنطق المشوّه الذي يجعلك تقف على الهامش وكأنك أكبر من المأساة؟

هناك 3000 شهيدٍ في لبنان، و50 ألف شهيدٍ في غزة، وآلاف الجرحى الذين بُترت أطرافهم، وتحطمت أحلامهم. ومع ذلك، أنت هنا، تخشى أن تلوّن صوتك بالصراخ ضد الطغيان، خوفًا من أن تفقد مقعدك في مهرجانات الخليج الساقطة، التي لا تعترف بشيء سوى الاحتفاء بالسطحية والفن الرخيص.

هل حقًا أصبح هذا هو ثمن "الثقافة" عندك؟ هل الثقافة هي مجرد مقعدٍ في صالاتٍ مضاءةٍ بنفاق النفط؟ أم أنها مواقف وشجاعة وتضحية، مثل تلك التي نتعلمها من العظماء، من أولئك الذين عرفوا أن الكلمة لها قوةٌ جبارةٌ تعادل السيف في المعركة؟

عزيزي المثقف المتخاذل، إذا كنتَ ترى الحياد أمام الموت والدمار ذكاءً، فأنت قد فقدتَ جوهر الإنسان في داخلك. الحياة هي معركة، معركة داخلية قبل أن تكون خارجية، والأقوياء هم الذين يواجهون الحقيقة بكل قسوتها، لا الذين يختبئون خلف التلال، متوهمين أن العالم لا يمسهم.

إن التضامن مع المظلومين ليس مجرد فعلٍ سياسي أو أخلاقي، إنه مسألة وجودية. إنه الحد الفاصل بين من يملك شجاعة أن يكون إنسانًا حقيقيًا، وبين من اختار أن يكون مجرد ظلٍّ باهتٍ، يتحدث عن الفن والفكر من وراء زجاجٍ سميك.

في النهاية، لا يهم عدد الكلمات التي تكتبها، أو عدد المقالات التي تنشرها. ما يهم هو موقفك في هذه اللحظة. هل ستكون مع الحقيقة والإنسانية؟ أم ستظل محبوسًا في فقاعتك الفارغة، خوفًا من فقدان مكانٍ في مأدبة الزيف والرياء؟

اختر معركتك بحكمة، لأن التاريخ لا يرحم المتخاذلين.

 


 

مقالات ذات صلة

ارسال التعليق