ذكورية المرأة
مجيدة الفلاحي
مجيدة الفلاحي/كاتبة مغربية
في بداياتي الأولى، وأنا أتنقل بين قرى ودواوير المغرب (خاصة قرى ودواوير الغرب) مرافعة ومدافعة عن قضية النساء السلاليات "وأنا واحدة منهن" كنت مدركة تمام الإدراك لما ينتظرني من صعوبات وتحديات، في ظل مجتمع قبلي وذكوري بامتياز، كنت مدركة وواعية بما سأواجهه من مقاومة ورفض لما أحمله من فكر جديد على عادات نساء القبيلة وأعرافها، وربما أيضا لشخصي أنا بالذات كامرأة متعلمة تقف الند للند بجانب الرجال وفي مواجهتهم إن اقتضى العدل ذلك، وخاصة من ذكور القبيلة أصحاب المسؤولية الجماعية، كنت كمن يدخل يده في عش الدبابير ألدغ وأصر على المقاومة ومواصلة الطريق، أسقط وانهض، وأصيب وأخطئ، وأتعلم المزيد مع كل خطوة. الطريق لم يكن مفروشا في بدايته قبل إصدار قانون (17.62) إلا بالأشواك والمؤامرات والتمييز و "الحگرة" كنت مدركة جدا لحقيقة أنني دخلت معركة غير متكافئة، وأن غرمائي كثر، وحلفائي قلة، وأننا في هذه المعركة لا نحمل الأسلحة نفسها، وأنني بشكل خاص، لا أجيد استعمال تلك الأسلحة الماكرة التي تعودت القبيلة استعمالها ضد أفرادها المتمردين، وكنت في نظرهم كذلك، متمردة سلاحها الوحيد ما تربت عليه من قيم وما تعلمته ونذرت نفسها للدفاع عنه من مبادئ وحقوق الانسان ومن كرامة ومساواة بين الجنسين، وما أعرفه عن نفسي من استقامة وصدق واستماتة وتحدي.. لكن مالم أكن أدركه جيدا، وما لم أتوقعه بالمرة، هو المقاومة الشرسة لأغلب إناث القبيلة لكل حديث عن التغيير أو التجديد!! حتى وإن جاء في مصلحتهن! أتذكر جيدا ردود بعض النساء وأنا أزف إليهن البشرى بإصدار دوريات من الوزارة الوصية على الجماعات السلالية (الدورية 17 و 60) التي تدعو إلى تمكين النساء السلاليات من الاستفادة من التعويضات العينية والمادية، وحق الانتفاع من أراضي الجماعات السلالية، وإن تلك الأعراف الجائرة التي أدت إلى الحرمان من حقهن لم تعد قائمة. والآن عليهن المطالبة بتمتيعهن بحقهن إسوة بإخوانهن الذكور…الخ. ماكدت أفرغ من كلامي حتى بادرت إحداهن بالتعقيب عليه باستغرابها ودهشتها وإبداء امتعاضها واعتراضها عليه مرددة أنها مارأت ولا سمعت بهذا منذ أن فتحت عينيها على الدنيا، وأن الرجل هو من يتمتع بحقوقه من المدخرات والأرض الجماعية، وأن هذا هو عرفنا وما وجدنا عليه آبائنا وأجدادنا (هذا عرفنا وللي كبرنا عليه كلشي ديال الرجل هذا الهيت ديالك عيب وحشومة المرأة توقف في وجه أخوها وتقول له عطيني حقي..) واتهمتني نساء أخريات بأنني أزرع الفتنة، وأدعو إلى قطع الأرحام، وأواصر الأخوة بين أهل القبيلة (بغيتي دابزينا مع خوتنا وتنوضي الصداع.. را هذا الحق للي يخاصمنا مع خوتنا بالناقص منو ما عندنا مانديرو بيه..) أثار الموضوع في بدايته كثيرا من اللغط والهرج والمرج في القبيلة. لحظتها أدركت أن المهمة صعبة جدا. لكنها ليست بالمستحيلة وأن المرأة فيها قد تكون جزءا من المشكل ومن الحل.
إنها حقا معادلة صعبة، ولكنها معادلة اجتماعية وتاريخية تستحق ما نبذله من جهد في سبيل حلها. لأن السجين الذي يألف قيوده وجدران زنزانته غالبا ما يقاوم بشدة أي محاولة لتخليصه منها.
ارسال التعليق