الرياح تحمل البشارات في شعر مجاهد أبو الهيل

د. مجاهد ابوالهيل || باحث عراقي

“سأقول للأشجار أن الريح لا ذنب لها في كل هذا الرقص. لكنا رقصنا من حريق الحب”.

 

“سأقول للأشجار أن الريح لا ذنب لها في كل هذا الرقص. لكنا رقصنا من حريق الحب”. 
الرياح التي تحمل كل شيء حاضرة بقوة، ومتقلبة بقسوة، وفاعلة كنبوءة، ونسمة دالة على الحبيب المنتظر بشغف، ومزمجرة بأعاصيرها دون خوف في وجه القتلة ومغتصبي الحياة، فالاقتراب من قراءة ديوان الشاعر مجاهد أبو الهيل (لو كنتُ ريحاً حملتُكِ) بحد ذاته دخول إلى عشّ الدبابير، مناطق خطرة استطاع اقتحامها تحيط بها الألغام، وتحتاج إلى مهارة جراح متمرس للوصول إلى الأوردة الدقيقة في قلب مريض، فهذا الديوان الذي صدر في العام 2018 عن دار ومكتبة عدنان العراقية وحملت عتبات عناوين قصائده (اعترافات في حضرة أنثى المصابيح، في الطريق الطويل إلى شّعرها، وقمر اصفهان، ومطر اصفهان، وجنازة نهر، ونساء البحر، ومن نخيل بغداد حتى دمشق القديمة، وماء الحب، وبانت دمشق، وفالنتاين) جميعها عناوين تلفها الريح وتقذف بها في مناطق حياتية وكأن القارئ يدخل في خلاط آلي مكونات ما يقوم بتحطيمه مختلف الأحجام والأشكال والموضوعات التي تتدافع مفردات جُمل القصائد فيه بين القضايا الإنسانية المطلقة وبين الخاص الذي توحد الشاعر نفسه معها وهذا ما تلمسناه من شفرة الإهداء لبعض القصائد مثل ( فلانتين/ عيد الحب) وكانت القصيدة إلى س/ع وإهداء المجموعة “إلى عمار الشابندر الذي سقط مضّمخاً بابتسامته”.

تنوعت في هذا الديوان الصور والمحسنات اللفظية والبديعية والألوان البلاغية والجمالية وكأن لسان الشاعر يقول: بأن كل هذا التناقضات في داخلي وعدم استقرار مشاعري أعكسها للقارئ في لوحة خارجية متماسكة الألوان ذات معنى يمكن التقاطه على قارعة الطريق ورسوم بكلمات لها أكثر من معنى لكل باحث يجد مبتغاه عن ما يبحث عنه وعن ما يعينه على تخطي الأيام فيجد أمامه أكثر دعوات الأمل والإشراقات، فالريح الساكنة في هذه النصوص ليست قاسية لتصل للتحطيم، وإنما لزراعة الحب والحياة رغم القسوة الظاهرة فيها، والأماكن التي تنقل في وصفها أبو الهيل من اقصى أصفهان إلى بغداد ودمشق كانت أوصاف لمدينة الحب والذكريات التي يبحث عنها. ولدمشق مكانة في شعر أبو الهيل وخصص لها في هذا الديون قصيدتين متعانقتين شموخا مع بغداد. والعواصم التاريخية تتلاقى في هذا الديوان ” من نخل بغداد حتى دمشق القديمة” وتتسامر الأشعار مع نص ” بانت دمشق” فها هو يقول:” أصرخ. ليس يسمعني سوى وجع الصدى. أمشي. أمرغ قامتي في الريح. تحملني سماوات. وتمطرني بأرض الشام”.

وفي أصفهان حمل ذكريات كثيرة رغم ما يحيط بها من تعب وشقاء إلا أن النهر كان حاضرا وكأنه لم يغادر دجلة والفرات ” نأكل حبات(الاسنك). نرمي منها للنورسة الجائعة. تفضحنا أسراب النورس. وتدل علينا النهر الراكض خلف خطانا”. فاللحاق الذي يتمنى أبو الهيل مجاراته ممتد نحو أحلام كثيرة بعضها كانت في طفولته” كم كنا نربي الحلم كي ينمو على الشرفات. كم كنا صغارا حين نحلم. كانت أمانينا بحجم النمل”. وتكبر الأحلام والطموحات وتزيد ساعات الانتظار الحبلى بالمفاجأة ” كنت انتظرتك مثلما أم على الأبواب. أبقيت النوافذ دونما قفل”، لكنها تندرج تحت التمني الذي نحلم به في أوطاننا جميعا بأن يسود السلام ويطرد الظلام ولا يبقى سوى الريح الخفيفة التي تحمل النسمات المنعشة والغد الجميل.

 

مقالات ذات صلة

ارسال التعليق