تغول الفحولة وتقزم الرجولة في رواية (الكبش اليماني الفحل)
حميد عقبي
حميد الحريزي | كاتب عراقي
خلال فترة وجيزة يتحفنا الأديب اليمني المغترب متعدد المواهب الأستاذ حميد عقبي بروايتين جميلتين محملتين بروح السحر والغرائبية والأسطورة .
حميد مهموم بهموم الإنسان وتوقه الى الحرية والرفاه والسلام ، يحمل بلده اليمن الذي كان سعيدا بين عينيه الدامعتين حزنا وألما لما هو فيه الآن ، ولكنه لا يفقد الأمل في أن ينهض هذا البلد وهذا الشعب صاحب الحضارة والتاريخ المشرف لاستعادة مجده واللحاق بركاب الحضارة والتقدم الإنساني ليكون قبلة لكل العالم في شم هواء اليمن السعيد ويرتشف من بحر ثرائه الحضاري التليد
فأتانا حميد هذه المرة بخروفه اليماني المسحور بحليب بنات الجن ليكون معجزة في بث القوة والفتوة في ظهور الكبار والصغار ممن يتاح لهم فرصة في الحصول على شيء من لحوم خراف من صلبه أو الحصول على شيء من بوله أو برازه أو صوفه (بيع روث وبول الكبش الفحل للجمهور ، مع نشر فوائد مفعولها في تعزيز القدرات الجنسية ) ص42 لعجز الفقراء وعامة النساء عن شراء لحم الكباش.
رفع من قدر ال(وحيد) القميء الضعيف المهان بين زملائه ورفاقه ليكون من علية القوم ، لا بقوة علمه أو برجاحة حلمه ولكن بقوة خروفه المعجزة الذي لقب ب (أبو البشرية الثالث)، الذي التهم مجد الشيخ عجورة حيث ( أصبح الكبش الفحل حامي الحمى ووجد التقدير والتبجيل من كلاب القرية حتى إذا رأوه فأنهم يحنون رؤوسهم له ...) ص22 . في جمع عجز رجاله في الدفاع عن وجودهم ووجود حيوانتهم من الكلاب السائبة ، ليكون الخروف الفحل هو الحامي!!!
الكبش اليماني يمزق بقرونه أقنعة الفساد والتفاهة
بأسلوب ساخر تهكمي فاضح إستطاع الروائي أن يكشف زيف رجال السلطة من المحافظ والوزراء الى رئيس الدولة ، الغارقين في مستنقع الفساد والمحسوبية ، الذين باعوا شرفهم وتراب بلدهم للجار وللغريب بأبخس الأثمان مقابل كسب المال والثروة والجنس...
إذا كان الحيوان له مواسم محددة للسفاد والتكاثر من أجل ادامة النوع ، فالإنسان تميز كونه مطلق زمنيا من أجل اللذة والمتعة حتى أصبح تكاثر النوع الهدف الرئيس من جماع الذكور مع الإناث أمرا ثانويا وعرضا من عوارض الحصول على اللذة والمتعة الجنسية عند بني الإنسان...
أشتهر لحم الخراف من صلب الكبش الفحل بقدرة كبيرة لاتضاهى في رفع القدرة الجنسية عند الرجل ، فصار الفحل معبود الحكام وأصحاب الشأن من أجل إمتاع زوجاتهم والخوض الدائم في بحر اللذة الجنسية ، مما دفعهم الى دفع المال ومنح المناصب والتخلي عن صوت المعارضة ضد السلطة مقابل إرضاء (زبوبتهم) في قوة الإنتصاب لتشابه القضبان الفولاذية والحراب الخارقة...
بلغ هيام الرئيس أشده في الحصول على لحم خراف الفحل لإرضاء رغباته ورغبات زوجاته ، ومن أجل فرض الهيمنة والسلطة على وزرائه وكبار مسؤولي حكومته عبر إطعامهم من لحم الخراف في وليمة أسبوعية تدافع عليه السلطوي والمعارض للسلطة ، وكأن العقبي يكشف الغطاء عن وجوه الأدعياء بالحكمة والفطنة والهيبة لتظهر وجوههم الحقيقية كرجال لا هم لهم غير الفوز باللذة يقودهم رأس زبهم وليس مخ رأسهم وعقلهم...
حلق وحيد صاحب الكبش في عالم السلطة والمال وأصبح والده شيخ المشايخ ، وتحولت قرية عجورة البائسة الى معسكر مغلق دائم الحراسة يتمتع بكل انواع الخدمة والرعاية إكراماً لعيون الكبش الفحل وقد وصل بالرئيس الأمر خوفا على الكبش ومن أجل الإشراف على رعايته أمر بنقل الكبش الفحل الى القصر الجمهوري!!!
حيث أصبحت لحوم خرافة من صلبه من حصة الرئيس وحاشيته المفضلة ومن جاء مهرولا من خارج البلاد من رؤساء وأمراء ووزراء وأصحاب الثروة والمال والعشاق ومعشوقاتهم للحصول على ما تيسر منها حيث ذاعت شهر الكبش الفحل خارج حدود اليمن وخارج حدود الوطن العربي وتعدته إلى كل أرجاء العالم من الدول العظمى التي لم تستطع مخترعاتها العلمية من منافسة قوة لحم خراف الكبش الفحل ، وهنا دلالة فطنة من قبل الروائي الى مدى رثاثة ثقافة من يتحكمون في عالم اليوم وزيف دعواهم برعاية مصالح الشعوب ورفاهها وأمنها بقدر مايهمهم إرضاء رؤوس زبوبتهم ( من شان زب الرئيس والوزراء والقادة والمعارضين أصبحنا بلا وطن ولا أرض..) ص53 ، حيث استعملت بعض الدول الكبرى باستخدام العصا والجزرة لتأخذ الكبش من حاكم اليمن ، فلا يمكن أن يمتلك أحد هذه الدول من العالم الثالث من ثروة أو آلة أو وسيلة تتفوق بها على دول العالم الأول ،حتى أخضعت الرئيس على بيع الكبش الفحل الى الدولة العظمى مقابل عدم دعم المعارضة لحكم الرئيس، مع حمل وتجريف مساحة كبيرة من أرض اليمن لتخلق بيئة تناسب عيش الكبش واستمراره بالحياة ونكاح النعاج البكر لمدهم بالمزيد من الخراف كمصدر للحوم السحرية في زيادة القدرة الجنسية...
وبذلك فقد الرئيس أهم وسيلة ومصدر لإحكام قبضته على أفراد حكومته من وزراء وسفراء ومحافظين ، وكذلك فقد وسيلة تدجين وكسب رضا معارضيه ، وفقد رضا وود عامة الناس الذين سخطوا عليه من قبل عامة الناس لحرمانهم حتى من غرامات تافهة من لحم الخراف لزيادة قوتهم الجنسية وإرضاء زوجاتهم .
هنا مؤشر كبير يشير الى كون الأمراء والوزراء وحتى غالبية الشعب ليس أكثر من قطيع حيواني يلهث وراء رغبته الجنسية وإرضاء رأس زبه قبل كل شيء مما سبب الفساد والتخلف ومهد الطريق أمام تمدد النفوذ الغير مشروع للاشقاء من دول الجوار وللأجانب الغرباء لسرقة ثروات الشعب والتحكم بمصيره حيث وصل بأحد المتنفذين بيع جبل كامل من جبال اليمن الى دولة مجاورة...
زينب الزوجة الرابعة للرئيس وأقرب نسائه اليه والمتحكمة بقراراته، بعد أن شعرت بضعف حكمه وتخلي وزرائه وقادته عنه وهروبهم خارج البلد ، استدرجته في حفلةأنس وشرب وخدر لتطلع على كل خزائنه وأملاكه ، وأعدت خطة محكمة لحمل كل غالي ونفيس والهرب به خارج البلاد ليبقى الرئيس بالأسم لوحده كمصاب بالجذام يهرب الجميع بعيدا عنه ، ولكنها تسقط في البحر مع مسروقاتها وكأن حامي اليمن الخفي لايسمح بسرقة ثروات البلد خارجه فكان لها بالمرصاد...
تأتي الأخبار بموت الكبش الفحل حيث عجزت الدولة العظمى أدامة حياته خارج بيئته الأصلية ، وهي رسالة من الروائي الى الدول الاستعمارية الكبرى التي تحاول أن تسرق ثقافة وتراث وسؤ قوة بلدان الأطراف بأنها ستفشل من إستغلالها لصالحها لأنها من بيئة حضارية وثقافية مخالفة لايمكن تدجينها وتطويعها كي تعيش وتنتج ضمن بيئتهم .
خلافا لكل القطيع كان الشاعر الشعبي الذي يمثل ضمير الشعب الصادق هو الوحيد الذي لم تغره لحوم خراف اللذة الجنسية وفضح بأشعاره وقصائده مفاسد الحكومة والرئيس وكل الطامعين بأرض وثروات اليمن وحضارته التي لاتموت .
يشعل لنا الروائي ضوءا في آخر النفق اليمني المظلم ليبعث فينا أمل نهضة الشعب والوطن من جديد ، حيث تترسخ علاقة المالك السابق للكبش وحيد بحبيبته شمس دلالة الحرية والمساواة ، وقرارهم بالعيش بهدوء وسلم والعودة الى علاقات حب أنسانية تغذيها القبل والمحبة الصادقة وليس الغرق في مستنقع اللذة الجنسية وحدها ، ليعود اليمن معافى مشافى سعيداً ليكون محط كل البشرية للظفر بعيش ولو لخمسة أيام للتزود بهوائها النقي وعطر حضارته ومجده وحكمة أهله .
أتت الرواية عبر سرد الحائك الجميل بخمسة فصول تعبر عن مراحل مختلفة من حياة أهل اليمن ورئيسهم وتحولاتهم الفكرية والسياسية عبر ضمير الأنا ضمير الراوي كلي العلم ، عبر لوحات صورية استعراضية تشد القاريء للأحداث ومتابعة نسيج الحائك الروائي ، سرد مشبع بشعرية ممتعة تضفي على السرد المزيد من الجمال والمتعة.
ارسال التعليق