الدللول.. سمفونية الجنوبيات

حسين الجوهر

الدللول هي المقطوعة الموسيقية التي عجز بتهوفن عن توليفها في كل أوركسترا في العالم


حسين الجوهر/ كاتب عراقي


الدللول هي المقطوعة الموسيقية التي عجز بتهوفن عن توليفها في كل أوركسترا في العالم  
الدللول سمفونية جنوبية اقتطعت خلسةً من قصب البردي والنسيم الدافئ بل هي المعزوفة الملائكية بألحانٍ سماوية، كل ما استمعنا لها اشتدّ الهدوء برأسنا، حتى السكينة كانت تسلم على قلوبنا قبل كل وجبة رضاعة.. 
دللول هي سمفونية الجنوبيات المنفردة وللحن الشجن الذي أبحرنا من  خلالها بعالم منفرد من الحنان والمشاعر الجياشة لتغفو بملء السكينة والطمأنينة أرواحنا، 
هنا السعادة الحقيقية التي شعرنا بها كانت تلاعب هرمون السعادة كالمهدئات النفسية تماماً.. 
دللول مفردة ممتدة من زمان الحضارات القديمة في جنوب العراق وجاء في عدة دراسات بأنها كلمة تعود جذورها الى حضارة السومريين ووجدت على الألواح الطينية الأثرية السومرية  لا كما قال البعض بأنها فاقدة للأصالة على أرض الواقع 
في صغرنا كنا نتصنع البكاء من أجل أن تعود تلك الحنجرة السماوية بعزفها من جديد ، دللول تقولها الأم وكأنها مرت على أوتار عود حزين وناي عاد عازفه تواً من دفن عزيز على قلبه ، كي تبكي في حضرتهما قبل أن تصل حنجرتها، لتخرجها بأعذب لحن ومن أجمل أوتار صوتية وهبها الله لها
دللول الكلمات الممتلئة بشجن الأمهات ورائحة الخبز الجنوبي كانت تهدهدها الأم لصغيرها وهي غارقة في بحر واسع من الهموم والحزن ،كما يعرف الحزن عند الجنوب لا ينتهي بمدة قصيرة وحتى شاع بتسمية (حزن الجنوبيات) أو (ثكالى الجنوب) 
الدللول عندما كنا صغارا كانت تمر كلماتها علينا مرور الكرام. ولم نعِ نبوءة الأمهات وخوفهن علينا من العدو المجهول اليوم عندما كبرنا وأخذنا شيب الشباب وكررتها مع من يأتي بعدنا من أخوتنا ، تقول كلماتها وذهنها شارد وكأنها تفكر في شيء ما هنا أدركنا (عدوك عليل وساكن الچول ) كان تنبيهاً لنا فيه وخوفاً علينا من بطش الزمان  ولعنة العدو المجهول وكانت تنعته بالعليل لتخفف من وطأة تجبره جهة وكي تزيد عزمنا ولا تكسر إرادتنا من جهة أخرى. 
(دللول يالولد يبني دللول ،،،عدوك عليل وساكن الچول)

وكانت تهويدتها عند الخوف بأن ينكر الولد رباها وتعبها عليه توضح له.
( يابني انا لا اريد من چدرك غموس 
يمه ولأريد من جيبك فلوس 
يمه يا يمه ردتك أنا هيبة وناموس 
يابني يالولد يمه ،،، يمه ترى ابني واريد رباي منة )


وعندما تندب حظها وظلمها من الزمان أو الأحبة في أول شبابها

( يمه يحگلي لاصير دللي 
يمه اطلگ الدنيا وولي 
على ضليمتي من دون حلي
يمه صغيرة وجاس الضيم كلبي يا يمة )

وكانت في عصر الصيف وهي تتأمل عودة أحبابها مع هبوب الرياح  وقفل الأبواب

(يمه هب الهوى وحرگ الباب 
حسبالي يايمه جيت احباب 
يمه آثاري الهوى والباب جذاب 
يمه بالولد يابني يا يمه)

 


وعندما تدخل  وادي السلام (المقبرة)
وهية تناشد أهلها وقلبها مقطع من فراقهم هنّا تتغنى  بعتابهم

(يمه يا يمه إثبات الطرف لاذلهم 
يمه جيت اسأل اغراب البين عنهم
يمه ولج يمه 
اهلنا حمولة اشضل منهم 
يمه كلبي اي ولله كلبي 
مطرور طر الوح كلبي 
يمه تمنيت طارشهم يجيني 
يمه وتسالة وتنام عيني 
يمه تسالة ويبطل ونيني 
يمه أنا من أكول يمه يموت كلبي يا يمه)
 

مقالات ذات صلة

ارسال التعليق