واقع متعدد وتجربة واحدة

محمد فكري الجزار

جاكلين سلام حنا شاعرة ومترجمة وكاتبة مقال وعلى شفا التورط بالسرد، أو هي تورطت به بالفعل كتقنية في بعض شعرها. وفوق هذا مهاجرة (1997) تحمل جنسية أخرى (الكندية) مع الجنسية الأم (السورية) لأسباب لا تخفى عن العالم كل العالم،

 

محمد فكري الجزار / كاتب مصري


جاكلين سلام حنا شاعرة ومترجمة وكاتبة مقال وعلى شفا التورط بالسرد، أو هي تورطت به بالفعل كتقنية في بعض شعرها. وفوق هذا مهاجرة (1997) تحمل جنسية أخرى (الكندية) مع الجنسية الأم (السورية) لأسباب لا تخفى عن العالم كل العالم، هذه "جاكلين سلام حنا" صاحبة هذا الكتاب أو هذه الحوارات، سواء حواراتها مع الآخرين أو حوارات الآخرين معها أو مقالاتها عنهم ومنجزهم. وعجيب أمر الأقسام الثلاثة هذه أن تنوع همومها ومشاغلها تتمحور حول قضية الحرية، سياسيا وإنسانيا وجماليا، فالحرية مهما تعددت صفاتها كلية ولا تتجزأ، الحرية بوصفها المجاوزة الوحيدة والممكنة لكافة تصنيفات الإنسان خارج إنسانيته لونا أو عرقا أو جنسا. ولأن الحرية بهذا الوصف غير ممكنة في ظل واقعنا الأكثر بؤسا تماما كما هو الأكثر تقدما، كان الأدب هو المساحة الممكنة لتجلي إنسانيتنا. هنا يكون الحوار عن الأدب -والترجمة حوار بين الثقافات كذلك- امتدادا لابد منه لنصوصه وتوسعة لها خارج خصائصها التي فرضت على لغتها ألا تكون مباشرة وواضحة ومحددة الدلالة. الحوار عن الأدب استجلاء لقضاياه وكشفا للسياقات الخارجية التي جعلته على ما هو عليه نصا أو نشرا. والحوار عن الأدب -وإن لم يكن أدبا خالصا- فهو "مكمّل" لابد منه، ومن هنا ضرورته، أو لنقل إنه أدب من الدرجة الثانية. لذا ليس غريبا ألا تفرق جاكلين سلام حنا بين حوارات معها أو حوارات لها مع الآخرين، بل تضع تحت مظلة الحوار حواراتها المقالية مع بعض الأعمال أيضا. وأخيرا، هو ذا المكمل الذي لابد منه للأدب. ولعل السؤال عمن حاوروا الكاتبة ومن حاورتهم أو حاورت أعمالهم يضيء على ضرورة هذا المكمل. 
لنتحدث أولا عن ماهية "المكمّل" عموما، ثم بالنسبة للكاتبة بخاصة، فتجميع هذه الحوارات المنشورة مفرقة ونشرها في كتاب لا تخلو من دافع نفسي وفكري كذلك. إن أول خصائص أدبية الأدبي هو اكتفاؤه بنصيته، الأمر الذي يقصي السياق الخارجي عن هذه الأدبية، وتأتي كتابيته لتضاعف نصية النص دون عناية بالعلامات المحيلة إلى هذا الخارج إن وجدت. هنا يكون المكمل هو هذا السياق الذي تم إقصاؤه لحساب تلك النصية، فكريا كان أو سيكولوجيا أو سوسيولوجيا. إنه -أي المكمل- بمثابة الوسط، بالمفهوم الكيميائي، الذي نشأ عن تفاعلاته النص وغالبا وجّه أدبيته لتكون على ما هي عليه. هذا يعني أن المكمل خطاب معرفي موضوعه النص الأدبي ليس بما هو كذلك، وإنما بما هو نشاط إنساني يستحيل على النص الأدبي أن يبرأ منه، مهما أغرق/أغرب في أدبيته، ومهما تجاهلته مناهج النقد الأدبي ونظريات الأدب. ومن هنا، كانت ضرورة "المكمِّل" المعرفي للنص الأدبي بوصفه إضاءة على المسكوت عنه هذا الفاعل واليفعل فيه سرا أو صمتا. أما بالنسبة لسؤال الكاتبة ودوافعها، فلعل طبيعة أسئلتها لمن حاورتهم، وأسئلة من حاوروها، تضيء على دافعها النفسي فضلا عن الفكري الكامن فيما وراء جمعها ما سبق نشره مفرقا في هذا الكتاب... وحين يكون "المكمِّل حواريا"، سواء مواجهة أو عن بعد -عبر الوسيط الإلكتروني- نكون أمام مساحة (وجودية) حميمة لكشف الآخر والانكشاف للآخر في الوقت نفسه، في ممارسة الكلمة حرة من الشرط الجمالي على النص الأدبي وجنسه. 
وحين يكون الحوار سؤالا وإجابته، فإننا إزاء عملية شديدة الأهمية تتمثل في التبئير على نقاط محورية لتكون عملية "الكشف-الانكشاف" أكثر فاعلية وقوة إنارة. ولذلك فإن "ذات" السؤال لا تقل أهمية عن "ذات" الإجابة، بل ربما تجاوزتها، فالسؤال انفتاح بينما لا تفلح الإجابة، أيا كانت، في إغلاقه وإنهاء فاعلية علامته، وربما ضاعفت هذا الانفتاح بمنحه أبعادا جديدة. لتصبح الإجابة توالدا للسؤال وتجليه في أسئلة جديدة. لتكون بنية الحوار هي نفسها بنية الأسئلة بينما تمثل الإجابات عناصرها المكونة لها، بنية لا تنغلق على المتحقق من عناصرها بل منفتحة على الممكن. إن السؤال يمثل أفقا معرفيا وفلسفيا بامتياز، فضلا عن بعد سيكولوجي يقبع فيما وراء المعرفي والفلسفي يتدخل في صياغتهما خفية، فيجعل السؤال على ما هو عليه. فثمة رغبة سيكولوجية بالمعرفي والفكري لا يشبعها إلا الاستشكال عليهما، ولا يرضى سوى علامة الاستفهام يدثّر بها صمته ويتخذها علامة على هذا الصمت. فالسؤال لا يقول، إنه يؤثث الفراغ لاستقبال إجابة محتملة. وفي الوقت نفسه، فتحقق أية إجابة مهما بدت جدارتها بالسؤال، في الظاهر، لا تملأ هذا الفراغ، وليس من مهماتها ملؤه، ويكفيها الإشارة إلى السؤال بوصفه مبررا لوجودها/ قولتها. إن السؤال محنة إجابته، فهي ليست أكثر من جزء من سؤالها تؤكد على فراغه وتستديمه، والسؤال محنتها. ولذلك سنطيل وقوفنا أمام الأسئلة في هذه الحوارات أكثر من إجاباتها، فلعل أسئلتها أكثر حملا لهموم لحظتها ... بديهي ألا تكون كل الأسئلة، في هذا الكتاب، على النحو الذي ذكرنا، فبعضها يتخذ شكل السؤال، بينما هي في حقيقتها تأسيس لابتداء الكلام، كلام الآخر، وتوجيه له باتجاه مواضع أكثر أهمية من وجهة نظر السائل بناء على مقاصده من الحوار. هذا نمط من الأسئلة يلعب دور العنوان لإجابته، ومن ثم فهو ينمحي فيها ولا يظل على شكله الاستفهامي. ولعل هذا كان مبرر حضور المقال التعريفي ببعض الكتاب وأعمالهم، وكأنه حوار معهم عبر أعمالهم. 
نظرة أولى إلى بيوجرافيا جاكلين سلام تنفي أننا أمام شاعرة وحسب، بل يمكننا أن نقول باطمئنان أننا إزاء مثقفة عضوية بمفهوم "جرامشي" على الرغم من كونها مهاجرة، ولعلها واحدة من شاعرات معدودات اللائي فتحهن الإبداع الشعري على هموم جنسيتيها: جنسية الأصل وجنسية المهجر، بمختلف أنواعها: قضايا الحريات والمرأة والزنوجة والهجرة والسكان الأصليين، ولم تهمل قضايا الواقع العربي وانزلاقه نحو السلفية فكرا وأدبا واجتماعا. لقد شاركت الشاعرة في تأسيس عدد من المنتديات الأدبية والثقافية، كما عملت في الترجمة الفورية وفي الصحافة. وكان نصيب الشعر وسط هذه الانشغالات الكثيرة والمتنوعة خمس دواوين. ولا تكاد جاكلين سلام تخرج في حواراتها، سواء المباشرة أو عبر البريد الإلكتروني، عن تلك القضايا، أو يخرج محاوروها عنها، وكذلك الأعمال التي اختارت أن تحاورها مقدمة إياها، مما يدل على صحة قناعاتها من جهة وعالميتها في الوقت نفسه من الجهة الأخرى. وإذا كان الحوار كاشفا، فإن ما قبل الحوار أكثر كشفا وأعم، وأعني اختيار من حاورتهم الشاعرة وبخاصة من الكنديين، فلا شك في أنه علامة على موقف مسكوت عنه لها دلالتها. وهي ثلاثة حوارات، حوار مع الكاتبة والناقدة (السوداء) "دونا بيلي بيرس"، والمفكر والروائي الكندي "جون رالستون سول" الملقب بالنبي والذي يعد واحدا من أهم مائة مفكر في العالم. والكاتبة الكندية (من سكان كندا الأصليين: الهنود الحمر) "دونا مارشال". وتبدو قضية الحرية والعرق من وراء هذه الاختيارات، فلماذا؟ إن خياراتها تتدخل فيها عوامل نفسية مسكوت عنها ولابد تدخلا فاعلا وسابقا على العوامل الفكرية. ولا شك أن التمييز بالنسبة لمهاجرة أمر لا يكاد يفارقها ولو أنه كان مجرد احتمال، إنها سيكولوجية الأقليات أين وجدت. ولا شك أن الحرية بمطلق مفهومها ستكون مظلة الأمان للجميع ("جون رالستون سول" رئيس منظمة قلم الدولية لحرية التعبير، فضلا عن كونه مساعد رئيس دائرة المواطنة الكندية، ومن أعمالها ما يتعلق بالمهاجرين). ولعل هذا الحوار يمثل مركز المسكوت عنه لكل الحوارات، ولذلك نجد الأسئلة الموجهة له تتناول معظم قضايا اهتمام الشاعرة سواء في حواراتها مع الآخرين أو إجاباتها في حوار الآخرين لها... إن المحاوِرة تعرف هدفها من الحوار (الهاتفي) والمحاوَر ذكي جدا ويعرف ما وراء الأسئلة عن "الكلمة" و"النقاب" و"الساسة والأدب" و"الأيديولوجيات" و"المرأة والدين"، من هم شخصي للسائلة، فيضمنه إجابته. يكمل هذا الحوار حواران آخران أحدهما لكاتبة سوداء والآخر لكاتبة من السكان الأصليين لكندا (الهنود الحمر) بجامع الأقلية في الاثنين. 
يبدو أنه على الرغم من اشتباك جاكلين سلام بالمجتمع الكندي ثقافيا وأدبيا إلى حد المشاركة في تأسيس منتديات، فإن هاجس كونها مهاجرة وبالتالي مسكونة بسيكولوجيا الأقليات حدد قضاياها الأساسية، هذه القضايا التي شكلت صلب حواراتها ليس مع أولئك الثلاثة وحسب، وإنما مع شخصيات عربية أغلبها مهاجر، وهو ما يؤكد على ما نذهب إليه، فضلا عن إجاباتها عن أسئلة محاوريها التي لا تكاد تخرج هي الأخرى عن تلك القضايا. سنلتقط بعض الكلمات والصيغ التي وردت في حوارها مع الآخرين: "فصل الدين عن الدولة"، "الأقليات"، "تحدي الهوية"، "محاولات تهميش المرأة" "الكتابة المهجرية"، "التعددية الثقافية"، "الشعر"، "الواقع العربي"... إلى آخره. هذه كلمات وصيغ وردت بلسان جاكلين سلام في أغلب حواراتها مع الآخرين وفي معظم حوارات الآخرين معها، مما يوقفنا على شخصيتها التي تتسع عن كونها شاعرة، وكونها كذلك جعلها تشتبك سيكولوجيا مع واقع هجرتها ولغة موطنها، وهنا ظهر اشتغالها بالترجمة ترجمة لهذا الاشتباك. نحن إزاء مثقفة عضوية كما سبق أن قلنا، وعلى حافة أن تكون "مفكرة" ومرموقة -لو أنها وجدت لفكرها وقتا- بالقدر نفسه الذي كانت بها شاعرة. يؤهلها لهذا كثافة تجربتها إنسانيا وشعريا وتعدد أبعادها، وتعقد علاقاتها، والانفعال النفسي بها شعوريا لا شعوريا، حتى إن قارئ جاكلين سلام شعرا أو ترجمة أو حوارا، وحتى منشوراتها على الفيس بوك، لا يحس بالانتقال بين أنواع مختلفة من الكتابة، فالتجربة واحدة في الجميع والذات الفعلية هنا هي هي في كل كتاباتها، ولعل حوارها مع أيمن مارديني وحوار أيمن مارديني معها -وقليلا ما يحدث هذا، ويحتاج نشرهما في كتاب واحد إلى شجاعة أدبية وإنسانية- كاشف لكل هذه الحوارات هنا، وأكثر من هذا كاشف لشخصية صاحبة هذا الكتاب. هذان حواران استثنائيان في الكتاب، بما أن طرفيه سوريان ومهاجران وأديبان (شاعرة وروائي) يجمعهما واقع عربي كانا أكثر صدقا من الكف عن النظر إليه، وصفت الشاعرة حوارها مع أيمن مارديني كما لم تصف حوارا آخر ملامسة لغة وصفها "الشعرية" بقولها: فرصة لطرح آراء وأفكار تخص علاقة المثقف بواقعه، بالمكان ومحموله الفكري والوجداني... هنا صفحات تفتح الشهية للإبحار في عالمين بين شرق وغرب، وطن أول ووطن جديد (بلد اللجوء) بين الوعي اليقيني وحافات المعرفة القلقة، ننصب فخاخ السؤال والجواب، فنخرج بالمزيد من الأسئلة حول المخيلة والواقع الشخصي والعام... وشهوة الكلام. في مقابل المقدمة المدائحية كانت مقدمة أيمن مارديني لحواره معها أكثر واقعية ودخولا في موضوع حواره، وربما لكونه روائيا كانت مقدمته هكذا، يقول: في هذا الحوار نتوقف مع مواضيع تخص الكاتبة العربية والكتابة في كسر خط المحرمات إبداعيا، وإلى إشكاليات الطروحات الفكرية بين رائدات الأدب والفكر العربي والعالمي... الحوار يعكس تجربة الكاتبة والشاعرة السورية الكندية جاكلين سلام ووجهة نظرها، من خلال قراءاتها وترجماتها... إن المحرمات التي تحدث عنها مارديني في مقدمته موجودة في سؤال لجاكلين في حوارها معه، عن الكتابة والرقيب الديني والمدني. ويجيب مارديني: الكتابة من المحرمات أو التابوهات. وهنا يطل المقدس وحرية التعبير والرقابة في سؤال لجاكلين وجهته للمصري الكندي وليد الخشاب: لك دراسات في حقل السينما والمقدس، هل استطاع برأيك الكاتب العربي أن يرفع سقف حرية التعبير والتفكير حيال المقدس... هل استطاع الجيل الجديد التحرر بذكاء من ثقل التابوهات ورقابة المؤسسات العربية؟ هذا السؤال والهم الجامع لكل الهموم عند جاكلين سلام تحمّله أسئلتها كما تعبر عنه إجاباتها أيضا... المدهش أن جاكلين أكثرت أسئلتها لمارديني حول إبداعه الروائي والشعري بشكل مباشر، بينما اكتفى مارديني بسؤال الشاعرة عن الشعر عموما وليس عن شعرها هذا الذي أخلص له حوار الناقدة اللبنانية صباح الخراط زوين وحوار سماح عادل ومحسن حسن وآخرين، فماذا تقول جاكلين الذات الفعلية عن الشاعرة وعن نفسها، سأكتفي بذكر بعض عباراتها فلعلها تضيء على الشخصيتين معا، والأهم البعد السيكولوجي لتجربتها إنسانة وشاعرة وكاتبة ومترجمة:
البيت الأول منظومة روحية وثقافية واجتماعية متجذرة في كيان المهاجر.
حين يهاجر الجسد فيزيقيا يحمل بين الأضلاع والذاكرة والدماغ والروح حصيلة الأزمنة السابقة، وتطلعات الأيام القادمة، بما في ذلك الألم والأمل والخو والخسارات والقلق والمعتقدات المعلنة والمجهولة.
الحرب طحنت روحي. حين بدأت الأوضاع في سوريا تأخذ هذا البعد المريع، توقفت عن الكتابة.
أكتب لأنني أستمتع بتقشير مخيلتي وسردها وتقاسمها معكم. وأكتب لأنني أحلم بأن أوسّع رقعة الإنسانية والجمال خطوة. أكتب لأنني أستطيع أن أسكن قلبا غريبا، وربما أكتسب كراهية أحدهم.
خيار الأنثى الخلاقة أن تعيد صياغة الحياة وتشكيلها في عجينة المخيلة والمجاز. 
أكتب لأرى ذاتي والآخر. أعمّد الكلمات بالحبر وأصنع منها امرأة وشجرة أو قطة وكلبا وعويلا. وأهاجر في أعماق الحياة كي أعيد لروحي بوصلة تأرجحت على مفرق عالمين.
حين أكتب، أضع في النصوص طاقتي الروحية والفكرية والمعرفية وما لدي من مخزون، وأطلقها في هذا الفضاء لتدل على مكنونها الجمالي أو القبيح. الحكم للقارئ والقارئة في النهاية.
الشعر مصفاة ومرآة نعاين من خلالها تجربة الروح والجسد. النصوص مصفاة المكان والزمان وفعله العميق فينا.
كسبت هامشا من حرية التعبير، كشبت مسافة تمكنني من النظر إلى الأحذية والأجساد والمكانس بنفس الحساسية الشعرية. كسبت قلقا إيجابيا يحفزني على إعادة النظر في أفكاري المكتوبة في القصيدة والمقالة، وعثرت على طيات صوتي.
"كريستال" مجموعة قصائد فيها من القسوة الكثير، ومن الحب، ومن البحث عن إنسانية الإنسان.
كنت متمردة لمجرد أنني اخترت أن أكتب وأعي دوري كامرأة تحررت من سلطة الرجل، ثم تحررت نوعا ما من السلطة السياسية والثقافية. استعدت كياني كجسد وروح، ولم أجعل جسدي بيرقا لقصيدتي ألوح به بضجيج واستهلاكية.
اللغة جسد وروح وأبجدية نتبادلها مع الذات والأفراد والمجتمع لنصل إلى بناء جسر يأخذنا من ضفة الآن إلى الغد. اللغة جسر نمشي عليه مع أبناء الحياة لنصل إلى ذلك المجهول الذي يحثنا على العمل والحب والعطاء.
وبعد السبعين سأكتب شيئاً عن سيرة حياتي كامرأة وكاتبة حملها الغيم والحلم بالعالم الأفضل إلى كندا- آخر العالم. امرأة ممتلكاتها أوراق وتجربة وبعض المعرفة. وربما في زمن آخر سأتفرغ قليلاً للعناية بالصور الفوتوغرافية التي ألتقطها في أركان الصمت والطبيعة والجمادات. الصور التي أعتقد أنها بعض "القصائد الملقاة في الشارع".
لعل بإمكان هذه المقتبسات أن تكشف لنا ما حجبته سياقاتها من شخصية الشاعرة والكاتبة والمترجمة والمشتبكة بواقعها فكريا. هي ذي جاكلين تلوح من خلف أسئلتها وإجاباتها ذاتا شديدة الحساسية تجاه واقعها بمختلف ظاهراته الموزعة جغرافيا بين وطن ومهجر وثقافة هذا وثقافة ذاك. وكان عليها أن تحدد إشكاليات وجودها بأمانة، وأن تحدد خياراتها في مواجهتها بحرية، واختارت "الكلمة"، شعرا ومقالا وترجمة، وأسئلة وإجابات: حوارات جمعتها -هنا- لتكون، كما قلنا سلفا، مكملا، مع تعديل ضروري لصفة المكمل، فقد اتسع عن صفة الأدبي ليصبح مكملا وجوديا بحق يصل كلمتها بواقعها هنا أو هناك. والمدهش أن حواراتها مع الآخرين كانت انكشافا لذاتها أيضا وليس تقديما (كشفا) لمن تحاورهم، كانت سؤالاتها لهم تضيء على ما يخفَى من وراءها من همومها وقضاياها وبكلمة "قلقها الوجودي" تجاه إنسانية قيد التهديد وإن اختلفت درجاته بين الشرق والغرب. الأمر الذي يتأكد، في هذا الكتاب، حين يغيب الحوار ويحضر المقال/مقالها الذي دار هو الآخر حول موضوعات الحوار نفسها: الهجرة، الأقليات العرقية، التعدديات الثقافية، والمرأة والشعر.
 

 

 

مقالات ذات صلة

ارسال التعليق