لماذا قانون( ٥٩ ) هو الحل؟

وليد عبد الحسين جبر

تشهد الساحة السياسية والقانونية العراقية هذه الأيام خلافاً حامي الوطيس بين دعاة تعديل قانون الأحوال الشخصية رقم ١٨٨ لسنة ١٩٥٩ وبين الرافضين لهذا التعديل الذين شكّلوا تحالفاً أسموه (١٨٨) للدفاع عن قانون الأحوال الشخصية ورفض تعديله !

 

 

وليد عبد الحسين جبر/ كاتب و حقوقي عراقي

 

تشهد الساحة السياسية والقانونية العراقية هذه الأيام خلافاً حامي الوطيس بين دعاة تعديل قانون الأحوال الشخصية رقم ١٨٨ لسنة ١٩٥٩ وبين الرافضين لهذا التعديل الذين شكّلوا تحالفاً أسموه (١٨٨) للدفاع عن قانون الأحوال الشخصية ورفض تعديله !
لا سيما بعد قراءة مشروع تعديل القانون القراءة الأولى في مجلس النواب العراقي ، ورغم أن موضوع التعديل أخذ يتسع لشمول الخلافات الفكرية والعقائدية بين أقطاب القوى السياسية العراقية وتحوّلُ الموضوع من مجرد قناعات وأفكار إلى حرب كلامية في وسائل الإعلام اشترك في أتونها عدد من المحامين والمحاميات ورجال دين ، ألقت بظلالها على الشارع العراقي و أدخلت بسطاء الناس في هلع لاسيما المتضاربة مصالحهم نتيجة خلافاتهم في محاكم الأحوال الشخصية .
أقول إن أبرز خلافات الداعين لتعديل القانون والمطالبين ببقائه كما هو الآن هي المادة (١٠) المتعلقة بتجريم الزواج خارج المحكمة والمادة  (٥٧) من القانون والمتعلقة بأحكام حضانة الأطفال ، وبمراجعة مبسطة لأحكام قانون الأحوال الشخصية رقم (١٨٨) لسنة (١٩٥٩ ) الصادر بتاريخ ١٣ كانون الأول ١٩٥٩ من قبل مجلس السيادة برئاسة محمد نجيب الربيعي وعضوية رئيس الوزراء عبد الكريم قاسم وعضوية خالد النقشبندي و وزير المالية محمد حديد ووزير الداخلية أحمد محمد يحيى ووزير العدل مصطفى علي ووزير الزراعة هديب الحاج حمود ووزيرة الحزب الشيوعي في الحكومة نزيهة الدليمي التي كانت وزيرة البلديات ووزير الإرشاد فيصل السامر إلى غيرهم من الوزراء الذين كانوا  كلهم من الشخصيات السياسية المرموقة آنذاك .
فلو راجعنا المادة (١٠) من القانون التي تتعلق بتسجيل الزواج في محكمة الأحوال الشخصية سنجد إنها تألفت من (٤) فقرات ليس من بينها معاقبة من تزوج خارج المحكمة ، فلم تُضَف الفقرة (٥) التي تعاقب على من عقد زواجه خارج المحكمة إلا بموجب التعديل الثاني الذي تم بموجب قرار مجلس قيادة الثورة في ظل حكومة حزب البعث بالعدد (١٨٦) بتاريخ ١١ / ٢ / ١٩٧٨ ، أما المادة (٥٧) المثيرة للجدل هذه الأيام فإنها أيضا وردت في متن قانون ١٩٥٨ ليس بالصورة الموجودة بها الآن إذ حددت سن الحضانة ب(٧) سنوات وليس (١٠) كما هو النص الآن وتركت للمحكمة سلطة تقدير مدى حاجة الطفل لتمديد حضانته فلم تحدده ب(١٥) سنة كما هو النص الحالي ، كما سمحت بمبيت الصغير عند أبيه ، في حين أن النص الآن يمنع ذلك بشكل مطلق ، إذ عُدّل النص عما هو عليه في قانون ١٩٥٩ بموجب التعديل ذاته المشار إليه آنفا وجُعل سن الحضانة (١٠) سنوات قابلا للتمديد إلى (١٥) سنة ومنع مبيت المحضون عند غير حاضنته ، وها أنت ترى أن القانون الذي شُرّع من قبل حكومة ثورة ١٩٥٨ التي أيدها بعض المدنيين الآن واعتبرها شيوعيون كثر ثورتهم ويدافعون عنها ، نجد أن القانون أكثر اتفاقا مع مذاهب الفقه الإسلامي بخصوص المادتين مثار الجدل الدائر الآن ، فمشهور أقوال الفقهاء المسلمين يرون مدة حضانة الصغير (٧) سنوات كما أنهم بالاتفاق لا يعاقبون على من تزوج خارج المحكمة ، أما الآن فما يؤاخذ على القانون الحالي عقابه على من عقد زواجه خارج المحكمة واعتبار فعله جنحة تستوجب الحبس أو الغرامة ، في الوقت الذي لا يعاقب قانون العقوبات العراقي النافذ رقم ١١١ لسنة ١٩٦٩ على الزنا إلا وفق الشروط التي تضمنتها المادة( 393)
"1 – يعاقب بالسجن المؤبد أو المؤقت كل من واقع أنثى بغير رضاها أو لاط بذكر أو أنثى بغير رضاه أو رضاها" بمعنى أن مواقعة الأنثى بالبالغة برضاها إذا كانت غير متزوجة ليست جريمة ، في حين الزواج بها وعدم تسجيل عقد زواجهما في المحكمة جريمة !! وهذه مؤاخذة تدعو المشرع العراقي أن يحفظ ماء وجهه أما بإلغاء الفقرة (١) من المادة (٣٩٣) عقوبات وتجريم المواقعة مهما كانت عمر الأنثى ورأيها وأما يلغي الفقرة (٥)من المادة (١٠)من قانون الأحوال الشخصية و إبقاء نص المادة كما جاءت في متن القانون الأول .
اقول ولا أريد الإطالة أكثر في هذا المقال ، إلى كلا المتنازعين حول تعديل قانون الأحوال الشخصية أو المطالبة بإبقائه بلا تعديل ، الحل الأكثر توفيقا الآن هو إلغاء تعديلات حكومة حزب البعث التي أجرتها على القانون وإبقائه كما صدر في عام ١٩٥٩ أو المضي بتعديله ، فإما يبقى كما صدر بلا إضافات بعثية أملتها فلسفة النظام  الشمولي أو يعّدل انسجاماً مع مبادئ الدستور العراقي الحالي لعام ٢٠٠٥ وتطبيقا للمادة (٢) و (٤١) منه فالتعامل بتجرد وعدالة مع هكذا مسائل هو الصحيح والابتعاد عن نسوية الحركة التشريعية او ذكوريتها هو المؤمل والمرتجى من شعب أول من شرّع القوانين للعالم .

مقالات ذات صلة

ارسال التعليق