التربية مفتاح المستقبل
آمال بو حرب/باحثة تونسية
تعتبر التربية أحد الأسس الجوهرية التي تقوم عليها المجتمعات، حيث تلعب دورًا حاسمًا في تشكيل الأفراد وتطويرهم. يقول الفيلسوف اليوناني أرسطو "التربية هي أفضل هدية يمكن أن يقدمها المجتمع لأبنائه" ومن خلال التربية يستطيع الأفراد اكتساب المعارف والمهارات التي تؤهلهم للمشاركة الفعالة في المجتمع إذا كانت التربية تتمحور حول تعزيز القيم الأخلاقية والفكر النقدي فإنها تُسهم في بناء أفراد عاقلين ومؤثرين يسعون إلى تحسين مجتمعهم ودفعه نحو التقدم. علاوة على ذلك يُظهر التاريخ أن المجتمعات التي استثمرت في التربية هي تلك التي حققت تطورًا وازدهارًا، على سبيل المثال في عصر النهضة الأوروبية أدت إعادة التفكير في التعليم والفلسفة إلى تحقيق إنجازات ثقافية وعلمية كبيرة كما يقول المفكر الفرنسي فولتير "من خلال التعليم يمكننا تحويل الجهل إلى معرفة والجهل يجلب العنف والفوضى".
وتتجلى آثار التربية في تطوير المجتمع بوضوح من خلال التاريخ العربي، كذلك الذي يروي لنا قصصاً ملهمة من العصر الذهبي للإسلام، كان العلماء والمفكرون العرب يتبادلون المعرفة، ويؤسسون مراكز تعليمية كالأزهر في مصر وبيت الحكمة في بغداد، تلك المراكز لم تكن فقط أماكن لتعليم العلوم، بل أيضاً منابر لنشر الثقافة والفكر والتسامح، فقد عززت تلك الصروح التعليمية دور التربية في بناء مجتمع قائم على النظر إلى المجهول والبحث عن الحقيقة.
فمثلاً، إسهامات ابن سينا في الطب والفلسفة وابن رشد في القانون والفلسفة، كانت ناتجة عن البيئة التعليمية والتربوية التي وفرتها الحضارة الإسلامية آنذاك، لذا يُمكن القول أن التربية ليست فقط وسيلة لاكتساب المعرفة، بل هي العامل الرئيسي الذي يحدد مدى تطور المجتمعات وقدرتها على الابتكار والتفاعل مع التحديات العالمية، ومن هذا المنطلق تدرك المجتمعات أن التربية ليست مجرد عملية نقل المعرفة بل هي وسيلة لتمكين الأفراد وتجهيزهم بالمهارات اللازمة لمواجهة التحديات الاجتماعية والاقتصادية.
وفي الختام فإن العلاقة بين التربية وتطوير المجتمع تتجاوز مجرد التعليم الأكاديمي، فتربية الأفراد تعني تربية العقول والنفوس، مما يؤدي إلى تشكيل مجتمع متكامل ومتوازن كما أشار الفيلسوف الإنساني إراسموس "تربية العقل هي مفتاح الفهم وتربية الروح هي مفتاح السعادة" لذا يجب أن نولي التربية الاهتمام الكافي لأنها تمهد الطريق لنهضة المجتمعات وتحقيق التنمية المستدامة، لأن الاستثمار في التعليم يعني الاستثمار في قدرة المجتمع على الابتكار والتغيير نحو الأفضل، ومع ذلك تواجه التربية في العصر الحديث العديد من المشكلات مثل التفاوت في جودة التعليم، نقص الموارد وعدم توافق المناهج مع احتياجات سوق العمل، مما يطرح سؤالًا مهمًا: كيف يمكننا معالجة هذه التحديات وتحقيق نظام تعليمي يلبي طموحات المجتمع؟
ارسال التعليق