مجاهد أبو الهيل: ماكنة تصنع الجمال، لا منصبًا يصدأ

عندما يتلاشى بريق المناصب وتنطفئ بوهجتها، يبقى مجاهد أبو الهيل في أذهاننا شامخاً كرمزٍ للقيم الراسخة، وإرادة تتحدى الزيف والانكسار. في عالم تسوده الازدواجية، ظل مجاهد أيقونة تتحدى الزمان والمكان، يخطّ بإصرار مسيرة تقاوم كل الأضواء الخادعة، فيبرز وجهه الحقيقي كـ"ماكنة لصناعة الجمال"، وليس كمنصب يُستهلك ويُنسى.

حسين سالم   /كاتب عراقي

 

عندما يتلاشى بريق المناصب وتنطفئ بوهجتها، يبقى مجاهد أبو الهيل في أذهاننا شامخاً كرمزٍ للقيم الراسخة، وإرادة تتحدى الزيف والانكسار. في عالم تسوده الازدواجية، ظل مجاهد أيقونة تتحدى الزمان والمكان، يخطّ بإصرار مسيرة تقاوم كل الأضواء الخادعة، فيبرز وجهه الحقيقي كـ"ماكنة لصناعة الجمال"، وليس كمنصب يُستهلك ويُنسى.

تغريدة الوداع: صرخة النقاء والاستقلال

بكلمات تنبض بالعزم، كتب أبو الهيل تغريدته الأخيرة، ليغادر منصبه في هيئة الإعلام والاتصالات، لكنه لم يغادر ضمير العراق. قالها واضحة كالسيف الذي يشق الصمت: "خرجتُ من هنا نظيفاً، ولم تتلوث يداي حتى برصيد 'أبو الخمسة'." هذه العبارة لم تكن مجرد بيان، بل كانت إعلانًا عن انتصار رجل لم يساوم، وثأر لمن لا يملكون سوى نزاهتهم في مواجهة عالمٍ يسبح في غيابات المصالح. كأنه يقول للعالم: "هذا هو أثر مجاهد؛ لا يتزعزع، لا يخضع، ولا ينحني."

"نخيل عراقي": إرثٌ خالد يتخطى حدود الزمان والمكان

أسّس مجاهد أبو الهيل "نخيل عراقي" لتكون أكثر من مجرد مؤسسة؛ جعلها كياناً ثقافياً حيّاً، يحتضن المثقفين من كل حدب وصوب. لم يكتفِ بأن تكون منصة محلية، بل جعلها بؤرة تشع بالفكر، فاتحاً أبوابها للأدباء والشعراء من مختلف البلدان العربية، مؤسساً إرثًا ثقافيًا يستعصي على الانحسار. كانت "نخيل" بمثابة واحة خضراء وسط صحراء الفكر الموحشة، حيث وجد المثقفون من كل أرجاء الوطن العربي ملاذًا يعبرون فيه عن رؤاهم، ويخطّون فيه أفكارهم، كأنها كفّ مجاهد التي تعانق كل الأقلام الحرة.

شخصية ذات استقلالية عصيّة على الانحناء

مجاهد أبو الهيل لم يكن بحاجة إلى المنصب كي يبرز؛ بل كان المنصب هو الذي يحتاجه ليكتسب معنى. مجاهد هو رجل المبادئ، عاشقٌ للاستقلالية حدَّ القداسة، يتحدى المعايير السطحية بجرأة القلّة. لم ينحنِ لسلطة، ولم يساوم على قيمه، بل مضى في طريقٍ يعج بالصعاب، مصممًا على أن يظل حرًا في فكره، طليقًا في قناعاته. هذا هو مجاهد الذي يعيش بشرف، ويترك خلفه أثراً كالصخر في الذاكرة الثقافية، أثراً لا يمحوه الزمن ولا تجرؤ الرياح على مسّه.

أيقونة يتردد صداها عبر الأجيال

حينما غادر أبو الهيل منصبه، لم يغادر المشهد؛ بل ترك وراءه إرثًا ثقافيًا يتجاوز كونه فردًا في مؤسسة، ليصبح رمزًا لكل من يسعى إلى إعلاء القيم فوق المصالح. مجاهد أبو الهيل هو كينونة تنبض بأحلامنا الجمعية؛ كينونة صلبة تتحدى سيل الزيف، كجبلٍ شامخ يختزن كل تجارب النقاء والصدق.

إنه باقٍ كصدى صوت، يتردد في أروقة الثقافة والفكر، شاهداً على أن العظمة ليست في المنصب بل في الأثر، في الإرث الذي يصمد ويتجدّد مع الزمن. هذا هو مجاهد أبو الهيل، رمزٌ لا تهزه رياح المصالح، وأيقونة تنبض بصدق كلما ذُكر اسمه، كأنها تتحدى الزمن وتبقى خالدة في وجدان من يعرفون قيمة العزم والجمال.

أثرٌ خالد لا يندثر

من "نخيل" إلى كل خطوة خطاها، يظلّ مجاهد أبو الهيل شخصية من طراز نادر، رجل صنع من الأثر الذي يخلّده إرثًا يتجاوز اللحظة، إرثًا يرسم ملامح الهوية الثقافية بجرأة نادرة. إنّ هذا العراق ليس مجرد أرض، بل كوكبٌ ثقافي يضم النخب ويتجاوز حدود اللحظة، وكأن صدى أبو الهيل يقول: "العظمة ليست في الألقاب، بل في الأثر العميق الذي يخلّده الزمن."

 


 

مقالات ذات صلة

ارسال التعليق