قراءة في كتاب " الصّدر سحر ما فوق الغياب "

الزهراء أحمد زريق

" لا يحقّ لك أن تكون بهذا الجمال"! هي الجملة الأوّلى التي نطقتها الأديبة الإيرانيّة " سيمين دانشور" ، حين وقع نظرها على السيّد موسى الصّدر، هو أجمل رجال العالم .. وقف أمامي بعينين رماديتين واسعتين. كان وسيمًا جدًّا بكتفين عريضين وبعباءة رجل دين فخمة .

 

الزهراء أحمد زريق/ كاتبة لبنانية

 


     " لا يحقّ لك أن تكون بهذا الجمال"! 
هي الجملة الأوّلى التي نطقتها الأديبة الإيرانيّة " سيمين دانشور" ، حين وقع نظرها على السيّد موسى الصّدر، هو أجمل رجال العالم .. وقف أمامي بعينين رماديتين واسعتين. كان وسيمًا جدًّا بكتفين عريضين وبعباءة رجل دين فخمة .
يرى حمّود بأنّ أعيننا تفتّحت على عيون الإمام موسى الصّدر، بعيدًا عن نسبة الخضرة في تلك العينين فكلٌ حسب اجتهاده في     الرّسم، وحين كبرنا فهمنا مشروع هذا الرَجل ، بعمامته وقامته وحركتيه وهو من عرف باسم قائد حركة المحرومين .. وكيف لا وهو الذي لم يتوقف عن النظر الينا من جدران الاحياء البسيطة ، ومن لافتات المدن الكبيرة .
     الصّدر رئيس زمّانه
 ما زاده الغيب الا سحرًا، هذا السّيّد الذي غُيّب . هذا الفتى الذي انحدر من عائلة لبنانية نشأته كانت في بيت إيراني ، كان طاقة متدفقة في ارجاء المعمورة. يغادر مسجدًا ليدخل كنيسة ، كيف لا وهو سيّد المنابر العلميّة والثقافيّة وغيرها...
يقول حمّود ومنصور أنّ السّيّد موسى قد عاصر الحروب وأهمّها الحرب العالميّة الثّانية، وكان شاهدًا على خسارة فلسطين سنة 1948، كما واكب الحرب الباردة والحارّة وأزمة الخليج، وكذلك الحروب اللبنانية. كان جلّ اهتمامه الوقوف مع الأيدي العاملة وجمع الطاقات واصحاب الخبرات.
يشير الباحثان إلى أنّ الإمام تتلمذ على يد كبار العلماء والأساتذة في عمر مبكّر في بيت عُرف بالزّهد حيث لا زخارف أو صور، والجلوس على الأرائك والنوّم على الفرشات وتناول الطّعام على الحصائر. طغت على هذا البيت البصمة الدينية، فالصّدر ابن مرجع ووالدته كريمة ابنة المرجع آية الله العظمى السّيّد حسين القمّي.
كما يذكر الكاتبان أنّ السيّد الصّدر كان يصبّ كلّ اهتماماته في وعي الشّباب ويركّز على تعليمهم وثقافتهم ، يقرأ النّاس ككتب متحرّكة مقلّبًا صفحاتهم بشغف مهما كانوا كثرًا ومهما كانت تجارتهم عاديّة . اتّصف مزاجه بين الجرأة والدبلوماسيّة. يتلقّى الكثير من السّهام والخناجر بعزيمة أو بطيبة خاطر، ذلك لأنّه يرى ما يريد من هدفه من مسافة زمنيّة فيمشي وينجز لتتساقط تلك السّهام من تلقاء نفسها ومع ذلك لم يكن صاحب رأي متفرّد، فالجميع يعرف عنه تلك العادة الحميدة. أمّا عن رأيه في لبنان فدائمًا كان يقول أنّه "لو لم يكن هناك لبنان فكان يجب علينا أن نخلق من أجل التغيير والإصلاح والعدالة ومن أجل الإنسانية جمعاء".
          مواكبة الحداثة 
يرى الباحثان أنّ السيّد كان من المتابعين لحركة الحداثة في الفن والأدب وكان شاهدًا على التّحوّلات التّي طالت القصيدة، وتأثّر بقصائد حافظ  الشّيرازي حيث يجتمع العرفان بالحكمة والتّمرّد. تصدّ الصّدر للفكر الماركسي؛ ليس من زاوية اجتماعيّة منحازة إلى الفقراء، إنّما من حيث جزئيّة الإلحاد التّي بدأت ترخي ظلالها على الشّباب. أعطى السّيّد المرأة دورًا أساسيًّا في العمل الاجتماعي والتّنموي ، وقام ببناء العديد من المؤسّسات كان لها الدّور الأساسي في تأطير الطّاقات الشّابة. قد عرف الإمام بانفتاحه الدّيني ، كما عرف عنه اجتهاده في بعض المسائل. كما شارك السيد موسى في قدّاس أقيم في مدينة صور عن روح قدّاسة البابا يوحنا الثالث والعشرين. يذكر الكاتبان أنّه أنتخل رئيسًا للمرّة الأولى للمجلس الشّيعي الأعلى في أيار عام 1969. وقد وقف السّيّد الصّدر مواقف كثيرة للدّفاع عن جنوب لبنان الصّامد في وجه العدوّ الاسرائيلي .
يرى كلّ من حمّود ومنصور أنّ قضيّة اختطاف السيّد الصّدر ليست مسألة شخص فقط، القذافي يعلم بحركيّة الصّدر كما يعلم بحرصه على بث الوعي الثّوري، وهو خطّ يشوش غلى ما يصبو إليه القذافي .  في مرحلة اختطاف السّيّد موسى في ٣١ آب قام القاضي "حسن الشّامي " بالسؤال عن شخصيّة القذافي ولكن الإجابات كانت ضمن خطّة القذافي البهلوانيّة حيث لم يعثر على إجابة واضحة في هذا الخصوص. وهناك رواية ل " طلال سلمان" أشار فيها عن مقابلةٍ جمعت العديد من الشّخصيّات من ضمنها الإمام الصّدر وعبّاس بدر الدّين والشّيخ محمّد يعقوب، تحدّث الإمام الصّدر عن تصرّفات المسلم الفلسطيني في الجنوب وكيف أنّ الفلسطيني يطلق النّيران من بين المنازل ويهرب ويأتي الرّد الاسرائيلي على بيوت الجنوبيين . بعد هذا الاجتماع اختفى السيّد الصّدر ورفيقيه في ظروف غامضة ، وهنا بدأت الشكوك عن طبيعة هذا الاختفاء ولكنّ المعلومات أكّدت بقائه في ليبيا وعدم ذهابه إلى إيطاليا. برز في هذه المرحلة الصّحافي "طلال سلمان" في مقابلة أجراها مع القذافي. نفى هذا الأخير أيّ علاقة بقضيّة الاختطاف بدليل عدم تأثير الصّدر عليه في أيّ مجال.
ويقول المؤلّفان أنّ قضيّة غياب الصّدر شكّلت ضربةً عنيفةً على  رؤوس محبّيه وأهله وأصحابه، بدأت خلالها جهود كثيرة من رؤساء واعلاميّين وصحافيّين في محاولة البحث عن الصّدر. من وقت الاختطاف الى يومنا هذا كثرت الإشاعات إذا ما توفّى او مازال على قيد الحياة والكثير مشكوك في صحّتها.
من أقوال السيّد الصّدر في لبنان الحبيب:
البناء الحقيقي للبنان الوكن الواحد.
ليس مرهونًا بواقع عسكريّ ولا بقوانين حديثة أو قوانين دستوريّة أو اقتصاديّة ، بمقدار ما هو مرهون بإرادة اللبنانيّة.
قضيّة المغيّب السيّد موسى الصّدر لم تنتهِ من ناحية تحديد ملابسات الاختطاف; لأنّ نظام القذافي تكتّموا على ما يعرفونه من معلومات . وها نحن اليوم مازلنا نحمل هذه القضيّة في أقلامنا وفي مدارسنا وبيوتنا ومن خلال البحث. شخصيّة مثل هذه الشّخصية لها مكانة سياسيّة فعليّة ومركزيّة. متى ستعود أو نحصل على بادرة أمل في الوصول اليها؟ على أمل أن تكون في العام المقبل بيننا سيّدي الامام.
 

 

 

 

مقالات ذات صلة

ارسال التعليق