هل عكس الأدب الديستوبي مخاطر تطور الذكاء الاصطناعي المستقبلي؟
عبد الكريم حمزة عباس
عبد الكريم حمزة عباس/ باحث عراقي
أدب الديستوبيا: هو أدب المدينة الفاسدة أو ما يسمى أدب الواقع المرير، بالانجليزية ( Dystopia ) وهو أدب خيالي يصف مجتمعا فاسدا أو مخيفا أو غير مرغوب فيه بطريقة ما، وهو عكس أدب المدينة الفاضلة اليوتوبيا ( Utopia ).
يمكن اعتبار الخيال الديستوبي نوعا مقنعا ومثيرا للتفكير في كثير من القضايا المعاصرة حيث يمكنه أن يقدم لمحة عن المستقبل المظلم المحتمل في عالم أصبحت فيه التطورات التقنية والتحولات المجتمعية مؤثرة على الحياة اليومية الحالية والمستقبلية بشكل كبير.
في ظل هذا العالم الغريب يعمل الخيال الديستوبي كمرآة تعكس مخاوف وعواقب ذلك التطور التقني السريع المذهل والمخيف.
ومن ضمن هذا التطور التقني السريع الذكاء الاصطناعي حيث أدى التطور في مجال الذكاء الاصطناعي إلى ظهور مجموعة كبيرة من الأسئلة الأخلاقية والوجودية، حيث يعمل الخيال الديستوبي كمادة تحذيرية تدفع القارئ إلى النظر في الحدود الأخلاقية لتطور الذكاء الاصطناعي، وأهمية الحفاظ على الصفة البشرية في ظل عالم آلي متزايد الأتمتة.
لقد احدث الذكاء الاصطناعي ثورة في المجتمعات البشرية، وأصبح هذا النظام يتكامل بشكل متزايد مع الحياة اليومية للناس، ولا أحد يستطيع أن ينفي أن هذه الأجهزة قد وفرت العديد من التسهيلات للبشر، ولكن استخدامها واعتمادنا عليها بشكل كامل يمكن أن يشكل خطرا حقيقيا، لذا يعتبر الخيال الديستوبي في الوقت الحاضر مهم جدا من خلال تسليطه الضوء على كيفية تعاملنا مع التقنيات الرقمية الحديثة بمسؤولية، وعلى الرغم من أنه مجرد خيال إلا أن رسائل هذا النوع من الأدب قابلة للتطبيق بشكل كبير مع عالمنا الحقيقي الحالي.
لذلك يلعب الخيال الديستوبي دورا مهما من خلال تصويره الكئيب للمستقبل الكابوسي، ومع استمرار التقدم التقني بوتيرة غير مسبوقة يستكشف الخيال الديستوبي المعضلات الأخلاقية والمخاطر المحتملة للابتكار التقني غير المقيد، حيث يمكن لهذا الأدب أن يحلل الآثار المترتبة على تطور استخدام الذكاء الاصطناعي واستخدام الروبوتات المتطورة، حيث ينذر الاستخدام الهائل للآلة الرقمية المتقدمة بالتخلي عن العمالة البشرية في المستقبل القريب، مما سيؤثر بشكل كبير على سبل العيش في كل العالم، أي أن الحاجة إلى العمالة ستتقلص إلى حد كبير مما سيؤثر على رفاهية الإنسان.
إن استخلاص بيئة ديستوبية من حدث أو قضية حقيقية حالية ( كما هو الحال بالنسبة للذكاء الاصطناعي والثورة الرقمية ) هو وسيلة فعالة لخلق الارتباط بين القارئ وكاتب الخيال الديستوبي، ومن الأمثلة على الخيال الديستوبي رواية الخيال العلمي الموسومة نيورومانسر ( Neuoromancer ) للكاتب الأمريكي الكندي ويليام جيبسون ( William Ford Jibson) الصادرة عام 1984، والتي تتحدث عن مفاهيم الذكاء الاصطناعي والواقع الافتراضي في حقبة الثمانينات أي قبل وقت طويل من شيوع تلك المفاهيم في ثقافة الناس كما هو الحال اليوم.
إن الأدب الديستوبي هو أكثر من مجرد مجموعة من القصص والروايات المظلمة، أنه نوع من الأدب يتجاوز المكان والزمان الحالي ويتحدث عن جوهر الحالة الإنسانية المستقبلية، أدب يتردد صداه مع أعمق مخاوف البشرية في مواجهة تحديات تطور الذكاء الاصطناعي والثورة الرقمية الهائلة، أنه خيال يساعدنا على مواجهة نقاط ضعفنا ويبين ضرورة اتخاذ خطوات حقيقية لبناء عالم مستقبلي أكثر استدامة وعدالة.
ارسال التعليق